تمثيل المحزنات ونحوها ، وفي خفة الحركات واللباقة ، فالمزية لأهل فرنسا والإنكليز تبع لهم. فأما في المضحكات فهؤلاء هم المتبوعون وذلك لسعة لغتهم. ومن العجب هنا أنه مهما يظهر في وجوه الإنكليز من العبوس والانقباض ، فإن لسانهم أدعى إلى البسط والضحك من ألسنة سائر الإفرنج ، ومن الطليانيين من ينشد في هذه المواضع أبياتا بل قصائد على البديه ، بأن يختار أحد الحاضرين لفظة ويقول لّلاعب أنشد أبياتا على هذا الروى ، فينشده دون توقف ، وقد سمعت أحد الإنكليز ينشد أبياتا زعم أنه مرتجلها ، وذلك بأن يصف مثلا أحد الحاضرين بأنه لابس لباسا بلون كذا ، أو أن بيده عصا أو أنه متكئ ، وعند التحقيق علم أنه إنما كان راويا لها فقط ، على أن ارتجال الشعر عند أي جيل كان من الإفرنج هيّن لأن كلامهم كله مجزوم ، أي خال عن الإعراب. وليس بين الكلام المتعارف عند خاصّتهم وبين كلام الكتب من فرق كبير ، إلا أن يقال إن مهابة الجمع تفحم الشاعر. غير أن من ألف رؤية الجموع في كل ليلة تساوى عندهم قلّهم وكثرهم ، فمثله كمثل العائم في البحر يستوي عنده قاموسه وضحضاحه ، وعلى كل حال لهم المزية الكبرى في كثرة الحفظ وفي حسن الأداء ، ثم إنه كما يتعلم من هذه المشاهد كثير من المحامد والمكارم والفصاحة والخطابة ، كذلك يتعلم المترددون عليها ولا سيما النساء ، كثيرا من الحيل والأسباب الموصلة إلى الوصال ، وتبديل البعولة بالعشاق ، لما يرين من فتور الزوج وحرارة العاشق الممثلين نصب أعينهن ، وخصوصا تكلف العجب والتيه من اللاعبات على الرجال ، فإنهن يبدين من هذه الحركات والصفات ما يغري كل امرأة بمحاكاتهن ، وكذلك اللاعبون يبدون من الحماسة والتجبر ما يشوق كل امرأة إلى أن يكون لها بعل ، أو عاشق نظيره ، ولا سيما حين يلبسون الديباج ، ويتقلدون السيوف ، ويأمرون وينهون ، وأعظم ما يعجب النساء من تلك المناظر هو أن يرين الرجال يتضاربون بالسيوف ونحوها ، أو أن يأخذوا ثأرهم ممن افترى على حرمهم ، وقد تلبس الرجال في هذه الملاعب ملابس النساء ، والنساء ملابس الرجال ، وأحسن ما تبدو المرأة به ما إذا لبست لباس الكمي ، وعلى رأسها خوذة ، وفي الواقع فإن كل ما يلبسن هناك يليق بهن.
ومن أعجب ما يرى من أحوال هؤلاء اللاعبين واللاعبات ، هو أن الشيخ منهم يتفتّى في زيّه وأطواره وكلامه حتى لا تحسبه إلا فتى ، والفتى يتشيّخ بحيث