هذي الممالك والأملاك غابطة |
|
هذي التواريخ يدريها الذي عقلا |
فاقتد شوارد أحوال برمتها |
|
ورض صعاب أمور تلقها ذللا |
وقد يسر الله لي نظم هذه القصيدة في يوم واحد ، إلا أنه بقيت الصعوبة في تقديمها لأعتاب الممدوح ، حيث لم تجر العادة عند ملوك الإفرنج بأن يقرؤوا قصائد مدح فيهم ولا غيرها أيضا مما يخاطبون به ، وإنما يقرأ ذلك كله كتّاب أسرارهم ، وهم يجاوبون عنها المخاطب بحسبما يرونه صوابا. وفي الجملة فإن نظم القصائد سواء بالعربية أو غيرها أسهل من تقديمها للممدوح من ملوك الإفرنج. وقد كنت مدحت ملكة الإنكليز بقصيدة وقدمتها لضابط البلد ، وهو وكّل بها زوجته لتهديها إلى بعض القائمات بخدمتها ، وترجمتها أيضا إلى لغتهم ، وإلى الآن لم يأتني عنها جواب ولا أعلم هل وصلت أم لا ، وكل من تعلم لغات الإفرنج من علية الترك وأشرافهم ، سلك هذه الطريقة. فإني كنت نظمت قصيدة في وباشا(٣١٤) سفير الدولة العليّة في باريس ، وأخرى في ن. باشا (٣١٥) ، وأخرى في محمد علي باشا ولم تنتج إحداها سلبا ولا أيجابا بل ضاعت الأوليان وأضاعا علي كرّاسين من ديواني ذهب كل منهما بالكراس الذي اشتمل عليه ، ولم يكن مقصودي بهذا المدح سوى نهمة الشعراء المعدية إلىّ تحمير دواوينهم بقولهم : وقال يمدح الملك ، وقال يمدح الأمير. ثم إنه لا شيء أفظع عند الإفرنج من أن يروا في قصائد المدح تغزلا بامرأة ووصفها بكونها رقيقة الخصر ، ثقيلة الكفل ، نجلاء العينين ، سوداء الفرع وما أشبه ذلك ، فشعرهم كلهم خصي ، وأفظع منه التشبب بغلام ، وأقبح من هذا وذاك نسبة شيء من صفات المؤنث إلى المذكر كقول الشاعر : كأن ثدياه حقان ، فإنهم أول ما يبتدئون المدح يوجهونه إلى المخاطب ، ويجعلونه ضربا من التاريخ فيذكرون فيه مساعي الممدوح ،
__________________
(٣١٤) هذا إختصار ، في الطبعة الأولى : ولي باشا (م)
(٣١٥) هذا إختصار ، في الطبعة الأولى : نامق باشا (م)