ومقاصده ، وفضله على من تقدمه من الملوك بتعديد أسمائهم. ولما ترجم موسيو دوكان قصيدتي التي مدحت بها المرحوم أحمد باشا والي تونس وطبعها مع الترجمة ، كان بعضهم يسألني هل اسم الباشا سعاد ، وذلك لقولي في مطلعها «زارت سعاد وثوب الليل مسدول» فكنت أقول لا ، بل هو اسم امرأة ، فيقول السائل وما مدخل المرأة بينك وبين الباشا؟ وهو في الحقيقة أسلوب غريب للعرب.
قال العلامة الدسوقي اعلم أنه قد جرت عادة الشعراء أنهم إذا أرادوا مدح إنسان أن يذكروا قبله الغزل ، لأجل تهييج القريحة وتحريك النفس للشعر ، والمبالغة في الوصف وترويح النفس ورياضتها. قلت كما أن الإفرنج ينكرون علينا هذه العادة كذلك ينكرون المبالغة في وصف الممدوح ، فإنهم أول ما يبتدئون المدح يوجهونه إلى المخاطب ويجعلونه ضربا من التاريخ ، فيذكرون فيه مساعي الممدوح ومقاصده وفضله على من تقدمه من الملوك بتعديد أسمائهم ، أمّا تشبيهه بالبحر والسحاب والأسد والطود والبدر والسيف ، فذلك عندهم من التشبيه المبتذل ، ولا يعرضون له بالكرم وبأن عطاياه تصل إلى البعيد فضلا عن القريب ، فهم إذا مدحوا ملوكهم فإنما يمدحونهم للناس لا لأن يصل مدحهم إليهم ، ومع علمي بهذه الحال لم يمكني مقاومة نزخة النهمة العربية إلى تقديم القصيدة المذكورة ، ولا سيما لما سمعت بأن الممدوح يعرف لغتنا ، فاجتمعت بالفاضل اللبيب والصديق الأديب الخواجا روفائيل كحلا وطالعته في ذلك ، فقال أنا أعرف وسيلة لتقديمها ولكن ينبغي أن تترجمها إلى اللغة الفرنساوية ، فإن معانيها لا تضيع بالترجمة إذ هي منسوقة على نسقهم لو لا التغزل بالطيف ، لكنه شيء عدمي ولا سيما أنك أشرت في مطلع القصيدة إلى إنكار الغزل قبل المديح ، فمن ثم ترجمناها وأطلعنا عليها أحد أدبائهم ، فقال بل الأولى أن ترسلوها غير مترجمة ، فإن الملك عنده مترجمون يترجمونها له فقدّمت كما هي ، وبعد أيام لم نشعر إلا والبريد يطرق الباب وإذا بيده رسالة من كاتب الملك ، باسم الخواجا المذكور وباسمي مضمونها : أن القصيدة بلغت جنابه العالي وحسن موقعها لديه ، وأنه يشكرنا على ذلك شكرا جزيلا.