تعقيب
قلت قد وجدت هذه القصة المحزنة في تاريخ بلاد الإنكليز فنقلتها بتمامها لغرابتها ، ثم وجدتها في كتاب آخر مرويّة بعبارات مخالفة لما تقدم بعض الخلاف ، ولا غرو فإنه لا يكاد راويان يتفقان على رأي واحد ، وكيفما كان فإن ما جرى على هذه الفتاة التي تفردت بهذه المزايا الحسنة يبقى معرة وخزيا على أسماء جميع الذين تسببوا في إهلاكها سواء كانوا من الفرنسيس أو الإنكليز ، على أن موتها لم يفد الإنكليز فائدة كبيرة ، لأن أهل فرنسا إذ ذاك كانوا قد تنشّطوا إلى مغالبتهم ومقاواتهم بعد أن ذاقوا طعم الفوز والظفر ، وسرى فيهم روح الحمية للذبّ عن أوطانهم.
وبما ذكر تعلم أن الناس في ذلك العصر كانوا متسكعين في ظلام الجهل والوسواس ، فكانت الأساقفة وأهل المدارس أقل كياسة من عامة هذا العصر. قلت ولو لا نابليون هذا العصر لم يبق للبابا كرسي برومية ولم يقف في وجه الروس واقف ، وذلك مستغن عن البيان.
ولم يقم أحد في بلاد الإفرنج كلّها من برع في اللغتين العربية والفارسية مثل البارون دساسي ، ولم تقم إمرأة تؤلف الكتب النفيسة مثل مادام جورج ساند ، وليس الآن من شاعر في أوربا يقارب طبقة دو لامرتين ، ولا من مؤلف ينظر بأوجان سو ، أو بالكسندر دوماس ، فهذه بعض دراري جيل الفرنسيس الغابرة والحاضرة التي بزغت في أفق المعالي ، ولم يكن لها في عصرها ند ولا مثيل ، على أنه لا ينكر أيضا أن قد نبغ من الإنكليز وغيرهم كثير من الفلاسفة والحكماء والعلماء والأدباء ، ممن أشرق بهم الزمان ولهج بحمدهم اللسان.
ما يميز باريس عن لندرة
ثم أقول أيضا إنه قد ظهر لي على قدر ما أدركته أن كثيرا من المصالح في باريس أحسن استتبابا وانتظاما منها في لندرة ، أمّا «أولا» فإني مكثت في هذه نحو ثلاثين شهرا ولم أسمع عن بيت فيها أنه احترق إلا مرة فقط ، وفي لندرة لا تكاد النار تخمد