المسائل المعرقلة الرابقة من كثير من القسيسين وفقهاء الشرع والأطباء ، وكانوا زهاء مائة وبذلوا كل ما عندهم من الدهاء في أن يتصيدوها بكلمة تدل على أن فعلها الذي فعلته كان بقوة الشيطان ، فلم تنطق بشيء كما توقعوا ، ولبثت صابرة متجلدة وهي تقول : إن الله هو الذي قيضها لذلك حتى أفحمت قضاتها غير مرة ، فسألوها عن الكنيسة فقالت : إنّي مازلت مواظبة على العبادة فيها ولكني كنت أطيع الأصوات حين كانت تأمرني بشيء مخالف لها ، فحكم عليها أهل الديوان بأنها مبتدعة ، وصوّب ذلك أهل مجلس الشورى والمدارس والأساقفة ، فلما صدر الحكم بسجنها أخذ الرهبان يترددون عليها وينذرونها هول يومها. ثم أخرجت يوما وجعلوا يقبّحون عليها فعلها ويشنّعون على الملك ، فعند ذلك ثارت حميتها إلى تبرئة الملك والمناضلة عنه ، فحكم عليها بالسجن المؤبد ، وأن تقتات بالخبز والماء فقط ، ثم حكم عليها أن لا تتردّى بلباس الرجال ، وهدّدت بأنها إذا خالفت ذلك يوجب عليها القصاص بالموت ، ثم كادوا لها مكيدة وهي أنهم كانوا ينزعون عنها ثيابها عند النوم ، ويضعون مكانها ثياب الرجال ، فكانت إذا رأتها تلبث في الفراش إلى أن تضطر إلى القيام فتلبسها إذ لم يكن عندها شيء غيرها. وبينما هي كذلك ذات يوم إذ هجم عليها الحراس واستاقوها وهي في هذا الزي إلى الضابط ، فحكم عليها بأنها حنثت في يمينها ، وأنها جديرة بالإحراق ، ثم أعيدت إلى السجن فأقرت لله بذنب ضعفها وفشلها في كونها لم تصرح غاية التصريح بأن الله هي التي ساقتها لعمل إرادته في إنقاذ فرنسا ، فعاودتها الأصوات فامتلأت عند ذلك شجاعة ورأت رؤى بهيّة إلا أنها حين أخرجت ورأت ما أعد لها من العذاب المهول خارت قواها ، فسيقت إليه وهي تئن وتتأوه. ثم أضرمت النار ، وأدخلت فيها ، فجعلت تدعو إلى الله وتبتهل حتى إنّ عدوها الكردينال بوفور لما شاهدها على هذه الحالة لم يطق بعد أن ينظر إليها ، فقام عجلا هو ومن كان معه من الأساقفة ، والدموع منحدرة من مآقيهم ، وكان إحراقها في الثلاثين من شهر أيار من السنة المذكورة ، في موضع يقال له لابلاس دولابوسل أي موضع البكر ، وذري رمادها في نهر السان ، ثم بعد عشرين سنة قام مطران باريس ومطران رام فنقضا الحكم الذي جرى عليها وأثبتا براءتها.