تضطرب أفكارها فيه ، وإذا أمرت بشيء ترتاب وترجع فيه ، فأعادت الالتماس من الملك وهي جائشة النفس شكرى (٣٠٨) العين لأن يأذن لها في الانصراف لأن عملها قد تم. وكانت قد علّقت دروعها في كنيسة رام إشارة إلى أنها قضت ما وجب عليها ، فأشار عليها الملك بأن تلبسها فامتثلت أمره ، إلا أن ضباط العساكر حينئذ كانوا قد أضمروا لها السوء حسدا ، فصاروا يشنّعون عليها ويسيئون معاملتها ، وأغروا العساكر بأن تنبزها بالألقاب الذميمة ، لا بل حاولوا أن يهتكوا حجابها ليفضحوها بين الناس ، ويكفوا كلمتها عنهم ، فردّتهم أقبح الرد ، ولم يكن يجالسها سوى النساء العفيفات ، ولا تنام إلا ومعها امرأة في الفراش. ثم أشارت على الملك بأن يتوجه إلى باريس ، فسار وعنت له بلدان عديدة حتى وصل إليها ، وأمر بالهجوم على «فوبور دو صانت أونري» ، فجرحت البنت هناك ، وصرعت عدة ساعات ، ثم قامت وعلّقت دروعها مرة أخرى ، وطلبت من الملك الانصراف فأبى ، ووعدها بأن يرقيها في رتبة شريفة ، ويجري عليها وظيفة الأرل وأن يعفي قريتها من الخراج أبدا فأجابت إلى ذلك. ثم في تلك الأثناء قام راهب يسمى ريشارد ، ومعه امرأة زعم أنها نبية ، وأخذا يحثان الناس على جمع المال إمدادا للملك ، فأبت جان أن تواطئهما وقالت : إنما النجاح على أسنة الرماح. وفي سنة ١٤٣٠ سارت بأمر الملك لكف الحصار عن كومبان ، وكان عليها دوك برغندي ، فسارت على عادتها في الإقدام والبسالة إلا أنها لما أوقعت بالمحاصرين خذلها أتباعها ، فلما قاربت باب المدينة رماها أحد الرماة فوقعت على الأرض ، واستسلمت للأمير فندوم فذاع خبر أسرها في جميع الأمصار ، فوردوا ينظرون إليها ، وخذلها الملك لؤما منه ، ولم يسع في افتكاكها ، ثم باعها فندوم للكسمبوروغ وباعها هذا للإنكليز بعشرة آلاف فرنك ، وتخلّى عنها معارفها وتواطأ الناس على إحراقها كساحرة. وكان أهل باريس يشمزون من ذكرها ، حتى إنهم أحرقوا مرة امرأة لقولها إنّ جان رسول من السماء. وفي الثالث عشر من شباط سنة ١٤٣١ أقيمت عليها الدعوى ، فأحضرت في الديوان ست عشرة مرة ، وألقيت عليها
__________________
(٣٠٨) يقال شكرت السحابة : امتلأت ، والضرع : امتلأ باللبن ، وقد استعارها الشدياق للعين ، حبا منه بغريب الكلام ، مع أنه أوردها في الطبعة الأولى على النحو الآتي : وهي جائشة النفس باكية (م)