فإنّ عليّ أن أسعى لفرنسا ومدتي قريبة ، لأن الأصوات أنذرتني بأني أموت بعد سنتين ، ثم دعته ليتقدم معها إلى رام لتتوجه ، وتترك الإنكليز في يد الله ، فتقدم الملك بمن عنده من الجند حتى وصل إلى لوار ، ثم ارتأى أن يخرج الأعداء أولا من المعاقل والحصون ليأمن السير إلى تلك الطيّة ، فسارت بالجيش إلى جارجو حيث كان صفولك مخيما بعسكره فقاتلهم عشرة أيام حتى استولت على المحل عنوة ، وقبضت على صفولك أسيرا ، وكانت هي أول من ارتقى في السلّم ، وعند بروز رأسها بادرها أحد الجند من داخل الحصن بضربة جندلتها في الخندق ، فصرعت حتى لم تقدر على النهوض ، وألمت جدا لكنها كانت تصرخ وتقول : تقدّموا يا رجال ، ولا تخافوا شيئا ، فإن الرب سلّمهم ليدنا. فدخلت الحميّة في قلوب الجند لبسالتها وثقتهم بكلمتها ، فهجموا هجمة شديدة واستولوا على البلد ، فقتل من الإنكليز يومئذ ثلاثمائة رجل ، فلما بلغ الخبر مسامع الأمير طلبو الإنكليزي أخلى جميع البلدان وانصرف إلى باريس ، ثم سارت إلى باتي فتلبّث جندها هناك ينتظرون مددا من الفرسان ، فقالت لهم : دعوا التلبث وأقدموا فليس عليكم إلا أن تضربوهم. ثم زحفت عليهم ، فلحق الفشل بالعدو من كل وجه ، مع أن رماتهم كانوا من أحذق الرماة ، ولطالموا أثخنوا الفرنسيس ، فقتل منهم في ذلك اليوم ألف ومائتا رجل ، وكان حزب كبير من القسيسين ينتظرون الملك والجارية ليوصلوهما إلى البلد. وفي الخامس عشر من تموز سنة ١٤٢٩ سارا ، ومعهما رؤساء الضباط والقواد ، وبعد يومين توّج الملك في الكنيسة ، ففرح الناس ، واستبشروا بطيب العيش والراحة ، وتمكّن إعتقادهم بها ، فكانوا يرون حول رايتها حيثما سارت أسرابا كثيرة من الفراش الأبيض البهيج ، وبهذه الراية كانت واقفة على رأس الملك عند التتويج ، ولمّا فرغ من تتويجه جثت عند قدميه وعانقتهما وهي باكية وقالت : الآن تم سعيي وكل ما وعدت به باسم الله فقد أنعم به ، فألتمس من الملك أن يطلقني الآن لأذهب إلى بيت أبي ، وأسير سيرتي الأولى ، فأبى الملك ذلك إذ رأى أن خلاص الأمة متوقف عليها ، وأنها فعلت في الزمن القصير ما لا يفعله غيرها في الزمن المديد ، إلا أنها من تلك الساعة تغيرت أحوالها بالكلية ، فإن الروح فارقها ، وانقطعت عنها الأصوات ، وذهب عنها ذلك الرأي الرشيد ، واستحوذ عليها الغم والابتئاس. فكان إذا طلب منها أن تقضي أمرا