لها ، فواعدوها إلى غد ليكون الفخر كله لهم ، فانصرفت لتستريح ، فما هو إلا أن نزعت درعها حت نهضت ولبسته وقالت : قد أمرتني الأصوات بالقتال فالبدار البدار. ثم لما أقدمت رأت الفرنسيس مرتدين على أعقابهم ، إذ كانوا هجموا من دون علمها وقد هلك منهم كثير ، فاشتد غيظها ، وتقدمت الجند بنفسها ، وأخذت تحض على صدق الحملة فاستخلصت ثلاث قلاع ، ثم سارت إلى برج طورنل ، وتهددت جميع من يخالفها بالعقاب فواطؤوها حينئذ مواطأة رجل واحد ، وهجمت عليه فمانعها الإنكليز ممانعة قوية فلم ينقص ذلك من عزيمتها شيئا ، وأعلنت أن الله قد سلّم اإنكليز ليد الفرنسيس ، ثم أخذت سلّما وركزته عند حضيض البرج ، والرمي عليه متواصل ، وأخذت في الارتقاء فأصابها سهم نفذ في درعها ما بين صدرها وكتفها ، فانطرحت في الخندق فأهلّ (٣٠٧) الإنكليز من فرحهم ، وظنوا أنها ماتت. ثم حملت إلى المقدمة وأخرج منها السهم فأفاقت وجثت تصلّي ، ثم عاد إليها نشاطها فنهضت وقالت : ليس ما قطر مني دما وإنما هو ظفر ، وإن الأصوات تدعوني إلى إتمامه ، ثم استأنفت القتال بأشد صولة وأمنع بأس ، فلما بصر بها الإنكليز فشلوا وخاروا فقتل منهم يومئذ ستة آلاف رجل من جملتهم ذلك الأمير الذي سبّها وغيره ممن أنبأت بهلاكهم. فعقد أحد قواد الإنكليز المسمى صفولك مجلس مشورة ، وفاوض أصحابه في الحرب ، فلما رأوا هلع الجند عزموا على كف الحصار ، حتى إذا كان اليوم القابل جمع الجند كلهم وعبأهم للقتال ، وأوهم أنه يبدي ممانعة ومغالبة ، وهو في الواقع منسحب بالجيش ، ثم بعث إلى الفرنسيس أن ينازلوه بأنثاهم سواء كانت فاجرة أو نبيّة أو ساحرة ، فرسمت الجارية على العسكر بأن لا يفارقوا البلد لأنه كان يوم الأحد ، وأن يقضوا النهار بالعبادة لله الذي نصرهم ، فانتظر صفولك ساعات فلما لم يأته أحد أحرق البرج وما حوله ، وانسلّ بعسكره ، فنهت الجارية جندها عن أن يعقبوهم ، وعند ذلك أسرعت للقاء الملك في بلوى ، وكانت في ممرها تزدحم عليها القرى لمسّ قدمها أو ثيابها ، أو في الأقل لمسّ جوادها ، فاستقبلها رجال الديوان الإكرام ، وأمر لها الملك بمأدبة فقالت له : ليس الآن وقت القصف والرقص واللذات ،
__________________
(٣٠٧) أهلّ الإنكليز من فرحهم : رفعوا أصواتهم مهللين من الفرح (م)