ويتناول. ثم سارت بالجيش إلى أورليان ، وسار صيتها بين يديها ، فاستقبلها الإنكليز أولا بالاستخفاف والاحتقار ، ثم بالخوف الحفي ، وأخيرا بالرعب الذي تمكن فيهم ، فكانت تأمر الجيش بالتقدم على مقتضى تبليغ الأصوات. واتفق مرة أنها أمرتهم بالزحف على البلد من جهة يمين الشط ، إلا أن أحد الضباط ممّن لم يكن له إعتقاد بها أنزلها في فلك هي والجيش ، وأخذ جهة اليسار مخافة أن يقابل المحاصرين من الإنكليز في الجهة التي رسمت بها ، فثارت عليهم ريح عاصفة اضطرتهم إلى الرجوع ، وإلى أن يأخذوا عين الطريق التي أمرتهم بها. أما أهل البلدة فحيث كان قد بلغ الضنك والجوع منهم كل مبلغ استقبلوها بالمشاعل والإكرام ، واحتفلوا بها غاية الاحتفال لاعتقادهم أن نجاتهم تكون على يدها ، وصنعوا لها وليمة فاخرة لكنها أبت أن تنال منها ، وآثرت أن تتعشّى في دار خازن مال الملك على الخبز مبلولا بالخمر. فاستحوذ الرعب على الإنكليز ، وكانوا قد سمعوا مذ شهرين بأنها قادمة لمحاربتهم حيث كانت كتبت إلى رئيسهم تنذره بأن الله أمرها بطردهم من فرنسا. واختلفت فيها الآراء والمذاهب فاعتقد الفرنسيس بأنها رسول من السماء ، واعتقدت الإنكليز بأنها رسول الشيطان ، ثم قالوا إن تكن من البشر فنحن لا نخاف بشرا ، وإن تكن من الشيطان فلا قبل لنا بها. فاجتهد رؤساء عسكرهم في إزالة هذا الوهم الذي أثّر في الجيش بقولهم إنها دنيئة الأصل وجاهلة ، وإن هي إلا آلة استعملها الفرنسيس ليهوّلوا بها عليهم ، ولكن كان ذلك عبثا فإنهم اعتقدوا أنها من أعظم السواحر ، ورسخ تأثير ذلك فيهم فكانت حيثما تظهر تفر منها عساكرهم ، فجعل الفرنساويون يدخلون ويخرجون بلا مانع. وزحفت مرة على الإنكليز وهي راكبة جوادها الأبيض وأمامها رايتها البيضاء ووراءها جوق من القسيسين يرتلون فغشيهم من الدهشة والرعب ما غشيهم ، ثم نصبت سلالم على برج طورنل ، وارتقت فيه ودعت من كان فيه من عسكر الإنكليز إلى أن يخلوه أو يحيق بهم شر ، فشتمها أحد الأمراء وعيّرها رعايتها البقر ، فقالت له : بئس الفارس أنت إنك غير جائز من هنا ، إنما أنت مقتول ، ثم أمرت جندها بأن يهجموا هجمة واحدة ، وكانوا حينئذ قد نشّموا (٣٠٦) في الحسد
__________________
(٣٠٦) نشّموا في الحسد : ابتدؤوا فيه (م)