وأشار إلى الوزير ، فقالت :
ـ باسم الله ليس الملك إلا أنت. أنا جان العذراء أرسلني الله إليك لأغيثك والمملكة ، وعن أمره أبيّن لك أنك تتوّج في مدينة رام.
فأخذها الملك ناحية ، وبعد أن ذاكرها هنيهة قال :
ـ لقد أطلعتني على أمور لم يكن أحد يعرفها إلا الله تعالى وإلا أنا ، وإنّي أول من صدّق بأنها أرسلت لإنقاذ المملكة.
وقال فلتير في كتابه الذي سمّاه «لا بوسل درليان» إن الملك سألها عمّا جرى بينه وبين محبوبته في تلك الليلة ، ولعلّ ذلك تهكم منه على عادته. قال الراوي وفي الغد القابل رآها الناس علانية على جواد تركضه وتضبطه أحسن ما يكون ، وكانت تعتقل الرمح ، وتبدي من الفروسية ما لم يعهد لغيرها ، وكانت مهفهفة القوام ولها شعر أسود مسترسل على كتفيها ، وعمرها في حد سبع عشرة سنة ، فعجب الناس لما شاهدوها على هذه الحالة ، وهتفوا بأصوات عالية تنبئ عن تصديقهم لها ، غير أن الملك م يستحلص سريرتها ، فأمر بأن يمتحنها جماعة من الأطباء والمتكلمين ، فألقوا عليها مسائل صعبة مدة ثلاثة أسابيع ، وحاولوا أن يعرقلوها بالكلام ، وكان ذلك عبثا فإنها أصرت على قولها الأول ، وهو أنها إنما أرسلت لكف حصار أورليان وتتويج الملك في رام ، وكانت وقتئذ بيد العدو ، ولم تزد على هذا شيئا ، فاقترحوا عليها آية فقالت : فقالت أرسلوني إلى أورليان مع جماعة من العسكر تعلموا حقيقة ما أقول ، أعني كف الحصار. وكانت حين تنصرف من عندهم تقضي أوقاتها بالدعاء والخلوة ، حتى إذا فرغوا من إلقاء المسائل عليها على أنواعها ، ونضحت بالماء المبارك عادت متسلحة من الرأس إلى القدم في زي الفرسان الأقدمين ، فكانت تركب الجواد ورايتها أمامها والرمح بيدها ، وتبدي من طرق الفروسية ما يعجب الجيش ، وكان أهل أورليان إذ ذاك في كرب شديد ، وكانوا قد سمعوا بخبر الفتاة فأرسلوا يطلبون مددا ، والتمسوا بأن تكون الجارية على رأس الجيش فطلبت أن تعطى سيفا قديما ، زعمت أنه موضوع في قبر في كنيسة القديسة كاترينة ، فبحث عنه وسلّم لها فتقلدته ، وسارت مع جماعة من مشاهير ذوي الأمر والنهي بفرنسا ، وأول ما بلغت المعسكر طردت منه النساء الدنيئات اللائي كنّ يصحبنه ، وحتّمت على كل جندي بأن يعترف ،