الأحمال ، وتنظيف الأحذية ، وصيد السمك ، والمناظرة على المراحيض ونحو ذلك ، ولا بد من أن تخاطب كل واحدة من هؤلاء الخسيسات المبتذلات بلفظة مدام. فأما الستّات المتترّفات من هذا الجيل ، فالعزّة لله الواحد القهار ، فإن ما نقص من مترفيّة سادة الإنكليز وجلالهم ومجدهم تلقاه فيهن وافيا ، فهن نساء صورة وشكلا ، ورجال أمرا ونهيا. وحيث قد استوفيت الكلام عليهنّ في كتاب الفاريق فلا حاجة إلى إعادته ، وإنما أقول هنا إنّهن لا يعترفن بفضل الرجل على المرأة ، فإنهن يقلن إنّ الله تعالى لم يختصّ الرجل بمزية إلا وعوض المرأة عنها بأخرى ، فجعل بين ذلك توازنا حتى تستتبّ الألفة والوفاق بينهما ، فمما اختص به الرجل القوة والشدة ليمكنه تحمّل المشاق في تحصيل أسباب المعيشة ، فعوّض المرأة عنها بالصبر والتجلّد لمصالح بيتها وتربية أولادها ، واختص الرجل ببسطة الجسم والمهابة ، فعوّض المرأة عنها بفتنة الحسن والروع ، فمهما يكن الرجل متترّعا (٣٠٢) إلى السوء تردعه عنه من نظرات المرأة روادع. واختص الرجل بطول النظر والفكر في العواقب ، فعوّض المرأة عنها بالبديهة العتيدة وبسرعة الجواب المقنع ، واختص الرجل بالشهامة وعزة النفس ، فعوّض المرأة عنه بالتصاون والحياء وهكذا.
ويحكى عن إحدى الخواتين أنها استأجرت مقعدا في بعض الملاهي ، حيث أريد إجراء التمثيلة المعروفة بالبروفت ، أي النبي. وكان الناس يتزاحمون إلى رؤيتها لأنها كانت أول ليلة ، فاتفق أن مرض زوجها بغتة ، فأقبل إليها بعض أصحابها ليبدوا لها التأسّف على حرمانها من الذهاب ، وهي في خلال ذلك تتأوّه وتفرك يديها ، ثم قالت إن هذا المخلوق لم يأت في عمره كله إلا ما يغيظني ، وسترون الآن أنه يموت عمدا ليحرمني من الخروج إلى الملهى. وفي الجملة فإن كل ما تفعله إحدى هؤلاء الخواتين فإنه يعجبها وأهلها وجيرتها وأهل المملكة أجمعين.
__________________
(٣٠٢) متترّعا إلى السوء : مسرعا إليه (م)