مكانة الأمة الفرنسية
ولا شيء يعجبني من أحوال الفرنسيس أكثر من معرفتهم للناس ، فإن هؤلاء الذين يمخرقون (٣٠٣) على الإنكليز لو أقاموا بين الفرنسيس سنين لم تكتسبهم مخاريقهم خرقة يسترون بها عورتهم أو رغيفا يفثأ صفرهم (٣٠٤). واعلم أن أمة الفرنسيس أمة قديمة مشهورة مشهود لها بالفضل والتقدم في المعارف والمساعي العظيمة ، حتى أن أهل المشرق أطلقوا اسمهم أعني الإفرنج على سائر سكان أوربا ، وكما أن بلادهم ولا سيما باريس لم تزل مقصدا للناس في الكياسة والحضارة ، كذلك ما برحت الممالك المشرقية منتابا لهم ، ولم تكن دولة من دول الإفرنج قبل استعمال البواخر تذكر بالنسبة إليهم ، نعم إن الإنكليز اشتهروا في الهند منذ أكثر من قرنين ، إلا أنهم لم يكونوا يجولون في بلادنا ، ولم يكن يرد إليها منهم غير القناصل ، ولكن لم تكد خاصيّة البخار تعرف عند الكيمياويين حتى ملأت سفائنهم البحار ، وأمتعتهم وبضاعتهم جميع الحوانيت والأسواق ، وحينئذ عرف أنهم ذووا كد واجتهاد ، فأدركوا من تقدمهم في متقادم الزمن. وقد جرت العادة بأن سكان الجزر أبدا يكونون ناشطين إلى التجارة والأسفار ضرورة أنهم لا يستغنون عن البرور الفسيحة ، إلا أن الإنكليز لا يتطبّعون بطباع أهل البلاد التي ينتابونها ، ولا يتساهلون فيما يجدونه هناك من الأحوال المغايرة لأحوالهم والمباينة لطباعهم ، بخلاف الفرنسيس ، فإن بلاد الله كلّها لهم بلاد.
بعض من نبغ من الفرنسيس
والذي زاد هؤلاء أيضا شهرة ونباهة هو أن نبغ أناس منهم تفرّدوا في عصرهم بمآثر ومزايا لم يشاركهم فيها جيل آخر ، فمنهم شارلمان في العز والسطوة ، فإنه دانت لعزه
__________________
(٣٠٣) يمخرقون : يكذبون (م)
(٣٠٤) يفثأ صفرهم : يسكن جوعهم (م)