ملابس أهل باريس
أمّا ملابس أهل باريس فإنها في الجملة وضيئة فاخرة ، وأكثر أنواع الثياب التي تباع عند البزّازين ، ولا سيّما الحرير أحسن مما يوجد بلندرة إلا الكتان ، فأما الملابس المخيّطة فليس لعمري من مناسبة بين ما يباع هنا وما يباع في لندرة ، فإن من يشتري ثوبا مخيطا في هذه يلزمه أن يستأجر خيّاطا ليصلحه له في كل يوم ، ولأهل باريس تنطّس (٢٩٤) زائد في أشياء كثيرة مما لا يعبأ به الإنكليز ، إلا أن نساءها اللواتي يعشن من كدّ أيديهنّ يلبسن أحذية كأحذية الرجال ، وذلك منكر في لندرة ، وإذا خرجن في الأسواق خرجن من دون برنيطة ولا شال ، وهو أيضا من المنكر عند الإنكليز ، وللاكتفاء عن البرنيطة سببان : الأول الزهو والعجب ، فإنهنّ يعرضن شعورهنّ وأعناقهنّ للرنو والتعجب ، والثاني غلاء سعرها حيث كانت أجرة اللائى يصنعنها كثيرة ، فإن صنّاع باريس تكسب أكثر من صنّاع لندرة وبعكس ذلك الرجال ، وهاتان الصفتان من المنكر أيضا عند نساء لندرة.
نساء فرنسا
ولنساء الفرنسيس نظافة زائدة على الملبوس والمفروش فكل ما كان لونه البياض يبقى كذلك إلى أن يبلى ولكن ليس لهنّ من الطهارة نصيب ، ولهنّ أيضا عناية بليغة بتنضيض أثاث البيت وبهنّ تليق الأعمال ، وفي الواقع فإنهنّ أزكن وألقن (٢٩٥) من سائر نساء الإفرنج ، وما من أمرأة في باريس إلا وتعرف شيئا من المداواة ، ومن طبعهنّ التبكير في القيام وتنظيف مراقدهنّ بخلاف نساء لندرة ، فإن الغالب عليهنّ الكسل والتواني والإضحاء في النوم ، ولهنّ أيضا حرص على تربية أولادهن وتنظيفهنّ ، فلا تكاد ترى في أسواق المدينة أطفالا يمشون وحدهم ، أو
__________________
(٢٩٤) التنطس : كثرة التقزّز ، والتقذّر ، والتأنق في الطهارة والكلام والمطعم (م)
(٢٩٥) أزكن : أكثر فطنة وفهما. وألقن : أذكى وأعقل.