قصر صان جرمان
ومن ذلك صان جرمان ، وهو على بعد خمسة فراسخ من باريس ، أو سفر ساعة في السكة الحديد. وهي بلد مشهورة من القديم لها غيضة فسيحة ناضرة في ربوة من الأرض ، يسرح الناظر منها في مدى مديد كلّه خضرة ، ما بين كروم وبساتين وغياض ورياض وقصور وأعلام ، حتى يود لو يرى في جملتها صخرا من صخور مالطا. وفي هذه البلدة قصر كان في الأصل مقرّا لفرنسيس الأول ، وكان هنري الرابع يستطيب المقام فيه وكذا لويس الثالث عشر والرابع عشر ، وفيه أقام جامس الثاني ملك الإنكليز ديوانه اثنتي عشرة سنة ، ثم صار في زمن الفتنة محلا للعساكر ، ثم جعل الآن سجنا لهم.
عناية الملك بجمال باريس
وهذه المواضع يقصدها أهل باريس في أيام الآحاد والأعياد في أرتال لها مقاعد في سطوحها مكشوفة ، فترى وأنت في رتل منها عدة أرتال سابقة ولا حقة ، ولا يمكن استيفاء الكلام على هذه المحاسن من دون رؤيتها عيانا ، وكل ما تراه في باريس وضواحيها من المحسنات والمنتزهات فإنما تمّ بعناية صاحب الملك لا بعناية جماعات على حدتها ، كما هي العادة في لندرة ، فإن الملك هنا لا يغفل شيئا مما يؤول إلى أبّهة الملك وشرف المدينة ورونقها ، وإذا علم مثلا أن في بعض الشوارع ديارا قديمة متهدّمة اشتراها من أصحابها من دون غبن وجدّد بناءها ، وفي أيام ملكها الآن هدمت حارة كبيرة برمتها ثم بني في مواضعها ديار حسنة شاهقة تضاهي ديار البلفار ، فأما في لندرة فإن جميع الإنشاء اتو التنظيمات موكولة إلى جماعات من الأهلين ، وليس على الدولة إلا ضرب المكس والطّسق (٢٩٣) وتجهيز الجيوش.
__________________
(٢٩٣) الطّسق : ضريبة معلومة تفرضها الدولة على مواطنيها» مولّد» ، (م)