شيئين ، ومما يعجب منه في باريس الدكاكين التي يباع فيها المربيات والشراب وذلك لنظافتها وأنوارها ، وربما كانت سقوفها من مرايا وعندهم من أصناف المربيات والمعجّنات والحلويات ما يزيد على ما عند الإنكليز عشرة أضعاف ، إلا أنهم مثل الإنكليز في أن حلوياتهم جميعا معمولة بالسكر لا بالعسل. واعلم أن أرباب السياسة هنا يتعهدون صحة الرعيّة فيما يباع من المأكول والمشروب ، فلا يسمحون للباعة بأن يبيعوا شيئا فاسدا أو مضرّا بالأبدان أو مغشوشا ، وكأنّ الخمرة مستثناة من ذلك ، فلهذا كان كل ما يؤكل ويشرب هنا ألذّ وأزكى مما يوجد بلندرة ، بل البقول والفاكهة هنا أطيب وألذّ ، فمن ذلك الخبز وهو ألزم ما يكون للمعيشة ، فإنه في غاية الطيبة ، وهو من محض الحنطة غير مخلوط بشيء من الشب أو البطاطا كخبز الإنكليز ، وقد يصنعون منه شكلا في طول قامة الرجل. واللحم على أن الإنكليز يدّعون بأن لحمهم أطيب ، ويعجبني هنا نظافة دكاكين اللحّامين فلا يمكن أن تشم منها رائحة كريهة بخلاف دكاكين لندرة ، وهم يقفلون دكاكينهم قبل أن يوقدوا الغاز فإنهم يقولون أنه يغيّر طعم اللحم ، ومن ذلك الزبدة والجبن ومحار البحر على أنواعه ، واليت والخل والخردل واللبن ، وقد يصنعون منه الرائب والقريشة كالموجود في بلادنا سواء.
وكذا الصابون والشمع بل الكبريت وحطب الوقود هنا أحسن مما يوجد بلندرة ، وعندهم كثير من البقول والفواكه مما لا وجود له في تلك ، فأما جعتهم فغير طيبة ، ولكن هم قلّما يشربونها لاستغنائهم عنها بالخمر.
أما الهواء فبرد باريس ولندرة صنوان ، غير أنه لمّا كانت الديار كلّها مبنية هنا من الحجر ، وكانت مواقدها غير صالحة لوقود الفحم المعدني كما مرّ ، كان البرد أشقّ وأبلغ وزد على ذلك توالي الأمطار شتاء وصيفا. وقد شاهدت جمعا غفيرا حضروا من باريس إلى لندرة ، وسألتهم عن الهواء فكلّهم أجاب بأن المطر لم ينقطع مدّة إقامته وكان فيها بلندرة صحوا إلا أن الناس لا يشعرون في باريس بعنت المطر أو الثلج لكثرة ما فيها السقائف والمنتزهات ، ومحال القهوة مما يذهب بالكرب. أمّا في لندرة فلن يجد الإنسان من ذلك مهربا إلا في بيته وهذا حسب.