وخلال (٢٨٦) لتنظيف أسنانه ، والخاصة من أهل باريس يأكلون مرتين فقط الفطور أو الغداء ، وهو في الساعة الحادية عشرة ، والغداء أو العشاء في الخامسة ، ويفطرون على شواء الضأن والمحار ، والعامة يأكلون ثلاث مرات ، أمّا طعامهم فإنه وإن كانوا يتفننون فيه كثيرا فلا يستطيبه إلا من ألفه ، وذلك لأنهم يسلقون اللحم أشد السلق ليتخذوا منه نوعا من الرعديد (٢٨٧) ، ثم يطبخونه بالشحم بدل السمن فيأتي مسيخا ، وقد قلت في ذلك :
رب قوم يستمرئون طعاما |
|
فيه شحم الخنزير والدم يهمي |
وأنا إن أكلت منه لماظا |
|
بات شحم الخنزير يأكل شحمي |
وفي الجملة فإنه ألذّ من طعام الإنكليز كما ستعرف ذلك في بابه ، غير أن الشواء عند الإنكليز ألذّ منه عند الفرنسيس.
وهناك طريقة أخرى للمعيشة وهي أن بعض الديار يصنعون مائدة عمومية يسمونها «تابل دوت» أي مائدة الضيوف ، فمن شاء أن يأكل فيها لزمه أن يذهب في ساعة معينة ولعلها أرخص من المطاعم العمومية وأطيب ، وثمن الغداء في هذه نحو فرنك ونصف ، وثمن العشاء نحو فرنكين ، وهو يبتدئ غالبا بالشوربة ويختم بالمثقفة أي السلطة ، ثم بشيء من الحلو أو الفاكهة. وفي البلفار مطاعم لا ينتابها إلا الأغنياء والمسرفون ، فإن ثمن العشاء فيها أربعون فرنكا أو خمسون. أما القهوة فإذا دخلت محلها جاءك الخادم بكوب سميك كالذي يشرب فيه الشوربة ، وبسكر جزيل ، وصب القهوة بمرأى منك ثم أتبعها بالحليب المسخن. وقد رأيت كثيرا من ذوي السمت والرواء يضعون نصف السكر في الفنجان ، ويختبئون النصف الآخر. والمطاعم ومحال القهوة في هذه المدينة لا تحصى كثرة ، وهناك محال للقهوة تغنّي فيه الرجال والنساء يدخلها الناس مجانا ، ولكن بشرط أن يشربوا شيئا يقوّم عليهم قيمة
__________________
(٢٨٦) الخلال : العود الذي تنظف به الأسنان (م)
(٢٨٧) الرعديد : الرجراج (م)