السكّان. ومن ذلك وجود دكاكين أخرى في الطرق للغسالات فإنك في كل طريق تجد منها واحدا أو اثنين وذلك نادر في لندرة جدا ، وإنما يغسل النزيل ثيابه عند غسالة الدار التي يسكنها سواء كانت نظيفة أو وسخة وهي غالبا في الريف ، ومن الغريب أن غسالات باريس يغسلن الثياب بالمطارق وكلّ عنهن راض. ومن ذلك أنه يوجد في باريس مواضع يتخلى فيها الإنسان لقضاء الحاجة ، ولا يخفى أن وجود ذلك في المدن الغنّاء ضروريّ ، فإن من يخرج من داره ويضطر إلى قضاء الحاجة لم يمكنه الرجوع إليها ، وذلك في لندرة معدوم ، بل مواضع البول فيها على قلّتها قذرة رديئة ما عدا ما صنع فيها حديثا في طريق استران وهوبرن فهي تعزّ عن النظير ، وأجدر بهذه الحاجة أن تكون في باريس من المصالح ، وفي لندرة بالتحريف. وما أحسن ما قيل في الفرنساوية من أنهم «يجعلون كل مقصد حرفة وكل حرفة مقصدا». وتفضل باريس لندرة من حيث النظر لا من حيث الفائدة بكثرة العساكر ، فإن فيها وفي ضواحيها نحو مائة وخمسين ألفا ، فلا تزال تسمع منهم الموسيقى ، وتنظر منهم الملابس الحسنة ، وهي أحسن من ملابس عسكر الإنكليز. وقد جرت العادة بأن يكون مع العساكر نساء للخدمة يتبعنهم وهنّ متردّيات بلباسهم.
أمّا المعيشة فحيث كانت المطاعم عندهم كثيرة وكل ما يشتهونه من المأكول والمشروب يجدونه فيها ، لم يكن أحد يتكلف الطبخ في بيته ، أمّا أصحاب العيال الذين يكون لهم مطبخ ومحل للمؤنة في منازلهم ، فلا ينتابون تلك المطاعم إلا في الأعياد ، وهي نظيفة للغاية وأول ما يجلس المستطعم يأتيه الخادم بدفتر فيه أسماء الطعام وبفوطة فيختار ما يشاء ، أمّا في لندرة فحين يجلس أحد في مطعم يأتيه الخادم ويصرخ في أذنيه : «شواء لحم بقر» ـ «شواء ضأن» ـ «كرنب» ـ «جزر» ـ «بطاطة» ، وهنا تنتهي الفهرسة ، ولا يقدم له فوطة. وأي مطعم دخلت في باريس رأيت فيه الرجال والنساء والأولاد ، وربما تعمّدت امرأة أن تجلس قبالتك لتخاطبها ، أو تعرض عليها شيئا من المشروب ، فيكون فاتحة الألطاف وخاتمة المطاف. ولا بد من أن يوضع أمام الآكل نبخات (٢٨٥) من الكبريت لإشعال السيجار ،
__________________
(٢٨٥) نبخات : جمع نبخة ، وهي علبة الكبريت (م)