لندرة لا يكون إلا مرحاض أو اثنان فهي من هذا القبيل أنظف وأدنى إلى الصحة.
«السابع» أن مداخن باريس الخارجة من السطوح تكون غالبا من الحديد. وفي لندرة من الخزف ، فتلك أبهج منظرا. والحاصل أنه لما كان النظر في أمور المدينة والديار بباريس موكولا إلى أرباب السياسة ، كانت الديار وحدها تؤذن بأبهة المكان وجلاله فضلا عن الدكاكين والدواوين الملكية ، فكم فيها من رواشن حديد مذهبة ، ومن جدران مزخرفة ، وأبواب مؤزّجة مما يستوقف المجتاز ، وكذلك الدكاكين ، فإنك تراها وضيئة بهيجة والحاجات فيها زهية ناضرة ، فيود الإنسان لو يشتري كل ما فيها ، فكأن في رقيع (٢٨٤) المدينة نورا يلقي شعاعه على المرئيات ، فيكسبها بهجة وطلاوة ، وكأنّ القاعد على كرسي في بيته إنما هو قاعد على شوك القتاد أبدا ، يتحلحل ويتحرك للخروج ليرى الديار والحوانيت مما يشوق ويروق.
أما أثاث الديار وفرشها فالغالب أنه في باريس أنفس وأغلى ، وأكثر ما يحمل على العجب منها سررهم التي يرقدون عليها ، فإنهم ينضدون عليها عدّة من الفرش حتى إنهميصعدون إليها على درج وذلك مطرد للغني والفقير. وخشبها في الغالب من النوع الذي سمّاه الشيخ رفاعه بك الكابلي ، ويجعلون فوقها آطارا من الخشب مذهب على هيئة التّاج ، ومنه يسدلون الناموسيّة. ولا بدّ وأن يكون في البيت مرآة وساعة دقاقة يضعونها فوق رف الموقد. وتفضل باريس لندرة أيضا في كثرة العيون الجارية في الطرق ، وفي كثرة الحمّامات ، وإذا شاء الإنسان أن يستحم في بيته أوعز إلى قيّم الحمّام في أن يبعث له بمغطس وماء حميم ، وهذا يكاد أن يكون معدوما في لندرة. ومن ذلك الكتابة التي تكون فوق الحوانيت والرواشن ، فإن جلّها مكتوب بماء الذهب ، وفي لندرة جلّها بالحبر ، وإذا كان بماء الذهب فلا يلبث أن يسودّ. ومن ذلك أبواب الدكاكين والقصبان الفاصلة بين ألواح الزجاج فإنها هنا أكثر رونقا ، فأمّا من حيث السّعة والبحبحة فدكاكين لندرة أعظم. ومن ذلك الرصف التي على جانبي نهر السين فإنها مبلّطة نظيفة بحيث يمكن للإنسان أن يقعد عندها ويسرح ناظره في النهر ، وهو يشتمل على عدّة حمّامات ومغاسل كالبيوت تغسل فيها النساء ثياب
__________________
(٢٨٤) رقيع المدينة : سماؤها (م)