«وداعا يا فرنسا الأنيقة ، يا بلادي التي هي عندي الأعز ، والتي رشحت (٢٥٤) صباي ، وداعا يا فرنسا ، وداعا يا أيامي الغراء فيها ، إن الفلك الذي فصل حبي لم يحمل إلى هنا سوى شطري ، ولقد بقي لك الشطر الآخر ملكا لك ، وسأتركه لمودتك حتى يتذكرك الآخر».
وقال آخر : قتلت ولها من العمر ٤٤ سنة وشهران ، ولما قدمت إلى بلاد الإنكليز كان سنها خمسا وعشرين سنة. وقال بوليه : وماتت عن ولد ، ملك على سكوتلاند باسم جامس السادس ، وعلى بلاد الإنكليز باسم جامس الأول. وقد ألّف العالم «شلر» على قتلها تمثيلة من أبلغ ما يكون (٢٥٥).
ومما ذكر عن هذه الملكة على سبيل الإسهاب ، هو أن الملكة اليصابت كانت قد حسدتها على صيتها وجمالها ، فأضمرت قتلها فمن ثمّ أمرت أحد كتّابها المسمى «داريصون» بأن يكتب أمرا بذلك ، وكان الأمير بيل من أشد الناس عداوة للملكة ماري فسار إليها لينذرها أن تستعد للقتل فقالت له : «ما كنت أظن أن أختي الملكة اليصابت تأمر بقتلي حالة كوني لست من رعيتها ، ولكن إذا كان رضاها في موتي فأهلا به ، ألا وإنّ نفسا لا تسمح لجسمها بأن يتحمل ضربة جلاد لغير جديرة بأن تتمتع بنعيم الآخرة». ثم طلبت أن تفاوض قسيسها وكان قد منع من رؤيتها فأشار عليها بعض النبلاء بأن تفاوض أحد أساقفة البروتستانط فامتنعت فقال لها أمير كنت وكان متحمسا في مذهب هؤلاء : إن حياتك موت لديننا وموتك حياة له ، ثم ذكر لها ما جرى من تغاوي بابنطون فأنكرت مواطأتها له في شيء ، ثم لما انصرف الأمراء من عندها أمرت بإحضار العشاء سريعا ليمكن لها إنهاء علائقها وأمورها ، فلما حضر تناولت منه قليلا على عادتها فجعل خدمتها وحشمها يبكون وينتحبون ، وجعلت هي تطيّب خواطرهم بالكلام وتسليهم وهي تقول كفّوا عن النواح وافرحوا بانطلاقي من هذا العالم ، عالم الشقاء ، ثم التفتت إلى طبيبها وقالت له : «ناشدتك الله ، أما وجدت الآن قوة الحق عظيمة ، ألا ترى أنهم قالوا أولا إنّي استوجبت الموت
__________________
(٢٥٤) رشحت صباي : رعته ونمته (م)
(٢٥٥) استطراد قصة ماري مأخوذ عن الطبعة الأولى.