لكوني غاويت على قتل الملكة ، والآن قال لي أمير «كنت» : إنّه لا سبب لقتلي سوى خوفهم مني على ديانتهم ، لكني أعلم أن بعضا من هؤلاء الناس قد تحروا منفعة أنفسهم خاصة بدعوى الديانة ، ثم إنها عند الفراغ من العشاء شربت على اسم خدمتها رجالا ونساء فشربوا هم معها ، وهم جاثون على ركبهم وقد مزجوا الشراب بالدموع ، وطلبوا منها العفو عما فرط منهم من التقصير والإهمال ، فعفت عنهم واستعفتهم هي أيضا ، ثم كتبت وصيّتها وقرأتها عليهم ، ووزعت حليّها وجواهرها ، وكتبت رسائل وصاة إلى ملك فرنسا في حق خدمتها ، ثم ذهبت إلى الفراش فنامت قليلا ، وقضت سائر الليلة بالدعاء والاستغفار ، فلما كان الغد لبست أفخر ثيابها التي كانت تلبسها في الأعياد ، ودّعت خدمتها جميعا وأمرت بقراءة وصيّتها ، ثم حضر أحد الأمراء وطلب منها أن تستعد للخروج ، فخرجت على الفور وعليها سمة التجلد والخفر والمجد والبشاشة والبشر وعلى رأسها غطاء من كتان مسدل إلى الأرض وبيدها سبحتها ، فلما بلغت مقتلها استقبلها جماعة من النبلاء والأمراء وخادمها ملفن وهو ينتحب ويتحسر ، فقالت له : رويدك يا ملفن لا تنتحب ، فإنك عمّا قليل ترى ماري استوارت معتوقة من قيد الهموم ، فقل لأهل سكوتلاند إنّي أموت على ديني وإنّي باقية على عهدي ومودتي لكل من سكوتلاند وفرنسا ، اللهم اغفر لمن ظمئ إلى دمي كما يظمأ الأيل إلى الماء ، اللهم إنّك تعلم أني طالما قصدت أن تكون سكوتلاند وإنكلترة مملكة واحدة ، فبرئني عند ابني وألهمه أني لم آت شيئا يشين مملكة سكوتلاند ، ووفقه إلى أن يسلك مع ملكة إنكلترة مسلك صداقة ومودة ، ثم ذرفت مدامعها وودعت ملفن الوداع الأخير ، فاندفع في البكاء والنحيب ثم التفتت إلى الأمراء ورغبت إليهم في أن يحسنوا إلى خدمتها ، ويساعدوهم على إحراز ما أوصت لهم به ، وأن يأذنوا لهم في أن يقوموا حولها عند قتلها ثم يرسلوا إلى بلادهم ، فرضوا بطلبها الأول وأبى أمير «كنت» أن تقف خدمتها لديها لوسواس خامره ، فقالت له :» لا تخش بأسا من هذه النفوس البريئة ، إذ ليس لها غاية سوى أن تتملّى مني بآخر وداع ، ولا ريب أن أختي اليصابت لا تمنعني هذه الطلبة اليسيرة ، كيف وإني أقرب من انتسب إليها ، وأبي هنري الثامن ، وزوجي مات ملكا على فرنسان ، وأنا نصّبت ملكة على سكوتلاند». فسمحوا لها حينئذ بما طلبت ، ثم تقدم