على مسامع أهل القرون الخالية لعدّوه من الخزعبلات المفتعلة ، إلّا أن هذه العملية لم تنشأ عرضا أو بغتة ، بل بعد إعمال فكر وجهد رويّة في مدد متعاقبة.
تطور صناعة التلغراف
وأصل ما أدّى أهل الحكمة والفلسفة إلى هذا الاستنباط كان استعمال فرنكلين الأميريكاني للطيارة المعروفة ، ومذ حينئذ خطر ببال المتبحرين في العلوم أنه لا يبعد عن الإمكان إيصال خبر بواسطة أداة إلى بعض الأماكن الشاسعة.
قلت ولد فرنكلين المذكور في مدينة بوصطن من أميريكا في سنة ١٧٠٦ وكان في مبدأ أمره خامل الذكر ، ثم اشتغل بالعلم وحسنت حاله وما زال يترقّى في المعالي حتى صار من أهل السياسية ، وذهب إلى باريس ، وحظي عند رجال الدولة حظوة عظيمة ، حتى إنهم لما بلغهم خبر وفاته لبسوا عليه الحداد. وله مؤلفات عديدة.
فأما خبر طيارته فهو أنه صعدها في يوم ذي دجن (٢٤٩) ، وكان قد ربط مرستها إلى وتدين ، وأناط بها مفتاحا ، فلما غشيها الغمام وجد أن بعض خيوطها قد تنفّش وتجافى عن بعض منتصبا ، فأدنى برجمته (٢٥٠) من المفتاح ، فأحس بشرار البرق.
قال : وفي سنة ١٧٨٧ أجرى لوموند السكوتلاندي عملية تقرب من هذا الكشف.
وفي سنة ١٧٩٤ نصب ريزر تلغرافا يمكن استعماله ، وإن كان أقل نفعا واتقانا من المستعمل الآن ، فكان التبليغ فيه خاصا بالسلك ، والعمل كله للشرارة الكهربائية ، وكان السلك يجعل في موضع مظلم وحوله صفائح من القصدير عليها حروف مرسومة وقد ركزت على صفائح من زجاج ، فإذا طار الشرر على هذه ليجري في السلك أضاء الصفائح ، فتمكن به قراءة الحروف.
ثم قام فولتي وحسّن هذه العملية بعض التحسين ، ثم رونالدس من همرسميث ،
__________________
(٢٤٩) ذو دجن : ماطر (م)
(٢٥٠) البرجمة : مفصل الاصبع (م)