والترجيح كما أشار إليه العالم الأديب الشيخ أحمد المسيري بقوله يمدح خديو مصر على إنشاء مدارس للعلوم الرياضية :
فهذا الفخر في وجه المعالي |
|
وليس بضرب زيد وجه عمرو |
إذا لصرف خواطر القوم إلى الاشتغال بما هو أهم وأنفع ، فإن وصول الخبر من قاعدة مملكة أوستريا إلى ليفربول في أقل من ثانية ، أنفع من تجويز عشرين وجها في مسألة واحدة. وهذا هو سر الكيمياء الذي يتعلمه الإفرنج الآن ، لا تحويل الحديد ذهبا أو الآنك فضة ، فإن سميته بالأكسير فأنت صادق. والحاصل أن الخبر يبلغ بهذه الآلة مسافة بعيدة كما يبلغ مسافة ميل على السواء. وعدة الآلات في هذا المحل نحو خمسين ، وعدة المستخدمين فيه مائة وثلاثون.
قال مؤلف كتاب المخترعات العجيبة : لم يكن يخطر ببال أحد من المتقدمين أنه يمكن إيصال فكر من بلد إلى آخر مسافة مئات من الأميال بثوان قليلة ، وأن من يكون واقفا في لندرة يمكنه أن يخاطب آخر في إيدنبرغ ويتلقّى منه الجواب كأنهما جالسان في غرفة واحدة ، مع أن بينهما مدى ثلاثمائة ميل.
فلا جرم أن التلغراف إنما هو أكبر العجائب التي كشفت في عصرنا هذا ، فإن السارق مثلا يذهب في أحد الأرتال السريعة وهو مسرور بسرقته وفراره من يد الشرطة ، ويطمع في أنه إذا بلغ إلى إحدى المدن الغنّاء يخفى أثره عن غريمه ، ويضيع خبره في دخوله بين الناس ، فيعمد إلى رتل يمر مسافة خمسين ميلا في الساعة ، ويكون خبره قد تقدمه في السلك الذي يراه بعينه مرة عن يمينه ومرة عن شماله ، ويكون الشرطي قد عرفه بسمته وسمته وصفاته ، وعرف الرتل الذي سافر فيه ، فما يكاد يخرج منه إلا وهو آخذ بتلابيبه ، فيبقى مدهوشا مبهوشا (٢٤٨) لا يدري أين يقصد ، ثم تفتش صناديقه وأوعيته ، ويستخرج منها المسروق ، ويرسل هو إلى الحبس ، فمن ثم كانت فوائد هذه الأسلاك من أعظم الأسباب المؤيدة لإقامة الحق وتشييد سنن الشرع وتنفيذ أحكامه. ولو كان إيصال الخبر على هذا الوجه قد عرض
__________________
(٢٤٨) في الطبعة الأولى : مبهوتا (م)