قال :
ـ إذا برك الجمل أيستطيع أن يقوم وحده؟
قلت :
ـ لو سألتني عن الظعائن لأخبرتك ، فأما الجمل فلا أدري.
في الطريق إلى بلدة الدكطر نيكلسون
ثم لمّا حان وقت تبطيل المدارس قبل عيد الميلاد تذكرت ما وعدت به صديقي دكطر نيكلسن ، فمن ثم سافرت إلى لندرة ومنها إلى دارنكطون ، فبلغتها بعد نحو اثنتي عشرة ساعة قاسيت فيها من البرد والتعب ما لم أقاسه في عمري كله ، وهنا ينبغي أن يلاحظ أن السفر في سكة الحديد وإن يكن أسرع وأسهل ، إلا أنه في بلاد الإنكليز معنت مكمد لأن الغريب لا يجد من الركاب من يدل عليه بحرمة السفر والتعب فيكالمه ، فترى كل واحد بيده صحيفة الأخبار يطالعها مسافة سفره كلها ، وإذا وق الرتل لا يجد شيئا من المأكول والمشروب ما يفثأ تسخطه ، وليست القهوة عندهم إلا ماء دخن سخن ، ولهذا كان أكثر الإنكليز يسافرون النهار كله ولا يأكلون شيئا من حوانيت المواقف ، وإنما يتزودون الطعام والشراب من ديارهم وهو في الحقيقة أولى ، فأما مواقف فرنسا فإن فيها كل ما ألفه الإنسان في بيته. على أن باعة المأكول والمشروب في بلاد الإنكليز أشد خلق الله شططا فإنهم يتقاضون على فنجان قهوة الدخن نصف شلين.
ثم سافرت من دارنكطون في الساعة الثامنة صباحا ، فوصلت إلى بنريث في الحادية بعد الظهر ، ومررنا في خلال ذلك بعدة قرى ومدن من أعظمها برسطون ، سكانها نحو مائة ألف نفس ، وهي مدينة شغل ومتجر شهيرة بملتقى الأرتال فيها ، يمر بها في كل يوم أكثر ما مائتي رتل ـ وهو عبارة عن صف عواجل متناسقة بعضها إلى بعض ، على نحو قطار الإبل. وإن البرد وقتئذ عارما والثلج متساقطا ، فلما بلغت بنريث سألت عن مقام دكطر نيكلسون فأرشدت إليه لكونه شهيرا في البلد ، فلما رآني ترحب بي غاية الترحيب وأنزلني في داره خير منزل ، وأكرمني بما لا مزيد عليه ، فجزاه الله عني خيرا.