أن يلكمه لكمة أخرى حبا بالله. ثم تقاضاه القاضي يمينا قبل أن يسأله ، فقال : إني لن أتخذ اسم الله بالباطل أبدا ، فغاظ ذلك القاضي حتى أرسله إلى دار المجانين في دربي ليجلد ، فسار وهو يحمد الله على ذلك. فلم يأل المأمورون بجلده جهدا ، فكان فوكس يتضرع إليهم أن يزيدوه من هذه النعم لصلاح نفسه ، فما ردوا طلبته ، ولكنهم عجبوا منه. فأخذ حينئذ يعظهم وينذرهم ، فتضاحكوا منه أولا ، ثم أصغوا إليه وارتاحوا لقوله ، وصدقه كثيرون منهم. ثم لمّا أخرج من السجن جعل يطوف في البلاد ومعه اثنا عشر رجلا ممن تمذهبوا بمذهبه ، وهو يذم أهل الكنيسة ، فعرّض نفسه أيضا للجلد مرة بعد مرة ، فلما أخذ يوما إلى موضع النكال ألقى على الحاضرين خطابا بغاية الحماسة ، فهدى منهم إلى مذهبه خمسين نفرا واستمال الباقين إلى محاماته حتى أنقذوه من تلك الورطة ، وجعلوا بدله القسيس الذي تسبب في معاقبته ، ثم استمال أيضا بعضا من جند كرومول فأنكروا الحرب وأبوا اليمين ، فأمر بأن يقبض عليهم إذ لم يكن يريد فرقة من الناس لا تحض على القتال ، فقبض عليهم وملئت السجون من حزبه ، إلا أن شأن الاضطهاد أن يزيد في عدد الدخلاء ، فزادوا ثباتا في معتقدهم ، وآمن لهم السجان أيضا.
والذي زاد في هذه الشيعة فضلا عما ذكر هو أن فوكس كان يعتقد بأن له سرا يمكّنه من التكلم بما يخالف عادة البشر ، فأخذ يرجف ويرتعش ويتلوى ، ويكظم نفسه ، ويتنفس الصعداء. فلم يلبث أن صار له دربة بالوحي عظيمة ، حتى لم يعد يقدر على الكلام إلا به ، وكانت هذه أول منحة أفادها لتلاميذه ، فأسرعوا في محاكاة إمامهم في تغيير السحنة والارتعاش عند هبوط الوحي عليهم جهد المستطيع ، ومن ثم سمّوا كويكرس ، أي مرتعشين.
واتفق مرة أن قال فوكس لأحد القضاة جهرا بحضرة جمع كبير : إحذر لنفسك يا صاح ، فإن الله يعاقبك سريعا على اضطهادك الأطهار ، وكان هذا القاضي مولعا بالشراب ، وكان يسكر في كل يوم ، فاعتراه بعد يومين فالج أودى به ، وكان يهم إذ ذاك بأن يمضي حكما بحبس بعض الكويكرس ، فخلج (٢٣٥) قلوب الناس أن موته كان
__________________
(٢٣٥) خلج قلوب الناس : شغلها.