وكانت النساء ساترات وجوههن وعلى رؤوس الرجال برانيط كبيرة ، والجميع سكوت ، فجزت بينهم ولم يرفع أحد طرفه للنظر إليّ. وبعد صمت نحو ربع ساعة قام أحدهم وحسر عن رأسه ، ثم بعد أن أبدى بعض زفرات بعضها من فيه وبعضها من منخريه ، ألقى على الحاضرين جملا مشوشة مضطربة ، زعم أنها من الإنجيل. فلا هو ولا أحد غيره فهم منها شيئا ، فلما فرغ من ذلك انصرفت الجماعة ، فسألت مضيفي : ما بال حكمائكم يرضون بهذا الهذيان؟. فقال : إنا مضطرون إلى أن نرخص فيه ، لأنّا لا ندري هل الشخص الذي يقوم للخطبة يكون قيامه بوحي من الروح أو الحماقة ، فنصغي إلى ذلك ونحن صابرون مرتابون ، بل نرخص أيضا للنساء في الكلام. وقد يتفق أن يوحى إلى اثنين أو ثلاثة في وقت واحد ، فمن ثم يقع ضجيج ولغط في بيت الله. فقلت : «أليس فيكم إذا قسيسون؟ قال : لا ، وإنّا لنجد أنفسنا بدونهم في حال أحسن». ثم تلا من كتاب ما معناه أن الله تعالى لم يرض أن نخصص أحدا لقبول روح القدس في أيام الآحاد إخراجا لسائر المؤمنين منه ، ثم قال : الحمد لله على إنّا نحن دون سائر الناس لا قسيسين لنا ، ولم نترك ولدنا عند موضع إذا كان عندنا لبن يغذوه.
مؤسس طائفة الكويكرس
قال الفيلسوف المذكور : وانتشار مذهبهم كان في انكلترة سنة ١٢٤٢ ، وذلك عند ما ظهر فيها ثلاثة مذاهب أو أربعة ، أضرمت فيها نار الحرب بين الأهلين تعبدا لله تعالى ، فقام إذ ذاك رجل اسمه جورج فوكس من كورة يقال لها ليسستر ، وكان ابن رجل نسّاج للحرير ، فأخذ يعظ الناس وهو ابن خمس وعشرين سنة. وكان أميا حميد السيرة ، لكنه كان معتوها. فكان يلبس جلدا من رأسه إلى قدمه ويطوف من قرية إلى أخرى ، مقبحا على الحرب وعلى أهل الكنيسة. ولو أنه ذم العسكر وحدهم لما كان لقي ما يخاف منه ، إلا أنه لمّا كان ذمه موجها إلى رؤساء الدين لم يلبث أن قبض عليه ، وأحضر بين يدي قاضي دربي ، وهو على ذلك الزي وقلنسوته الجلد على رأسه ، فبادره أحد الجند بلكمة على خده ، وقال : قبحا لك ألم تعلم أنه ينبغي لك أن تحضر بين يدي القاضي حاسر الرأس؟. فأدار له فوكس خده الثاني والتمس إليه