هاتين المدينتين الآن فيهما من البغايا ما يكفي أهلهما وغيرهم معهم. ولو قال : إن أخصّ أسباب ذلك هو كون قسيسي الإنكليز يباح لهم الزواج لكان أولى. قال : ولا ينتدبون إلى رتب الكنيسة إلا إذا بلغ أحدهم من العمر ما لا يكون له فيه نهم.
قلت : حدّ القسيس أن يكون بالغا من العمر أربعا وعشرين سنة ، ومتى عرف فضله وعلمه بعد ذلك يرقّى إلى درجة الأسقفية من دون تعيين سن.
التوجه إلى برستول
وهنا فليفرح الوادون ، وليكمد الشامتون ، فإن الدكطرلي عزم على التوجه إلى برستول ليقضي فيها وظائفه الكنائسية مدة شهرين ، ولكن ليس بعد أن نعيته إلى القارئين والسامعين ، ومن ثم وجب عليّ أن ألحق به ، ففصلت من تلك القرية المشؤومة إلى لندرة ومنها إلى المدينة المذكورة ، فبلغتها في نحو خمس ساعات ، في خلالها وقف الرتل في عدة مواقف ، وكان قد أخبر صاحبة المحل بقدومي وحالي ، وأوصاها بأن تطبخ لي طبيخا فرنساويا ، أي أن يكون كثير البقول ، قليل اللحم. فلما كان المساء أحضرت لي طعاما مطبوخا من دون ملح على عادتهم ، لكنها احتفلت بي غاية الاحتفال حتى استحييت من أن أذكر لها الملح ، وفضلا عن ذلك فإن فرحي برؤية الأسواق والديار والعواجل أنسانيه ، ثم لما قابلت الدكطرلي في الغد سألني عن الطعام ، فقلت له :
ـ إنه كان بغير ملح.
قال :
ـ كيف؟ ألم تحضر لك ملحا على المائدة!؟ فلم لم تملّحه أنت؟ فإنها خشيت أن تضع فيه ما تعافه.
فقلت :
ـ لو أحضرت لي اللحم نيئا لكنت أطبخه بأنفاسي وأملحه بدموعي ، وكان خيرا من عادتكم هذه المنغصة.
قال :