وينوّهون بمناقبه.
وأن يستخدم أحذق الأطبّاء لحفظ صحّته العزيزة ، وأن يحضر طعامه وشرابه من جميع
البلدان القاصية إنماء في بدنه وتصفية لذهنه ، وأن يضع أولاده في أحسن المدارس إلى
غير ذلك من المنافع التي لا يحوزها الغني في بلادنا ، ومن ليس له غني في هذه
البلاد فلا يحسبنّ نفسه من الناس.
هذا وقد جرت
العادة في كلّ مكان بأن السعيد الغني لا يزال يبدو للناس فتى ، فاذا مات وهو ابن
خمسين سنة مثلا أسفوا عليه ، وقالوا : واخسارتاه فقد مات عبطة ، ولعلّ بعض حسّاده قد سمّه ، وكذا لو تزوّج في ذلك السنّ
، أو سافر استحسنوا فعله ، لو أنه لحمقه كان يصيّف في مشتى ، ويشتو في مصيف مدّة
طويلة ، ثم جعل المصيف مشتى والمشتى مصيفا لقال الناس : إنّ رأي هذا السعيد ما زال
رشيدا ، فإنّ الزمان قد انقلب ، والحال حال ، فكلّ شيء يليق به ، بخلاف الفقير
الشقي ، فإنّه إذا مات وهو كهل قالوا : لا بدّ لمثله أن يموت ، وإذا سافر أو تزوّج
عرّض نفسه لاستهزاء الناظر والسامع به.
منافع العلم
وما قلته في منافع
الغنى هنا لا ينفي منافع العلم على الإطلاق فإنّ من برع عندهم في علم ، وإن كان
وضيع النسب فلا يعدم أن يرى من يرفعه من خموله ويستفيد بعلمه ، غير أن العلم عندهم
لا يكون بمعرفة قواعد النحو والصرف أو بنظم قصائد وإنّما هو مطالعة اللغتين
اليونانية واللاتينية ، ومعرفة أدبهما ، ومعرفة التاريخ ، والفلسفة ، والهندسة ،
والرياضيات ، فمن حصّل ذلك فقد قبض على مفتاح الرزق ، ومن اخترع شيئا مفيدا فقد
استغنى به ، وذلك إمّا أن يبيعه لأحد من الأغنياء بجعل وافر وإمّا أن يستبدّ بصنعه
، فلذلك كان العلم في أوربا دائما مورد الاستنباط والابتكار ، بل كثير منهم يحرزون
به لقب الشرف.
__________________