فهذا الشعار لا تأنف الإنكليز أن تتردّى به لجرّ منفعة به إليهم ، وهو المراد عندهم من التمدن ، ومتى علموا أنّ جيلا أمهر منهم في شيء نسبوا إليه ذلك الشيء الذي يصنعونه هم ويريدون بيعه.
والثالث كذب متبّل محرق وهو التغرير والنميمة والإفساد بين محبّين أو خليلين لوما وحسدا ، وهو يكاد أن يكون من خصوصيات المشرقيين.
الغنى عند الإنكليز
ثم إن الغنى وإن يكن شأنه أن يجتذب إليه قلوب الناس في جميع الأمصار والأعصار ، وإنّ التجمّل باللباس يورث المرء هيبة وجلالا حيثما كان ، وعلى ذلك قول بعضهم : لقد اجتهدت في أن أنظر إلى الغني بالعين التي أنظر بها إلى الفقير فلم أقدر. أو كما قال العلامة كولد سميث : إن الغنى مرادف الحرية في كل مكان ، إلا أن الغني عند الإنكليز شعار على الجدارة والاستحقاق لكلّ شيء ، فالغني عندهم يمكن له أن يرفع دعواه إلى مجلس المشورة ، ويطلّق امرأته لعلّة الزنا حقيقة أو ادّعاء ، والفقير لا يمكنه ، وله أيضا جدارة بأن يكون ضابط البلد ، ومن أعضاء مجلس المشورة المؤلف من نوّاب الأقاليم ، وأن يشتري وظيفة من الديوان في العساكر البرية ، فيكون قائد مائة ، أو ألف ، أو عشرة آلاف ، وأن يدخل في المنتديات أي الكلوب ، وهناك يجتمع بالعظماء وذوي الشرف ، فإذا رأوه على تلك الحالة لم يلبثوا أن يدعوه إلى منازلهم ، فإن كان عزبا خطب إليهم إحدى بناتهم ، أو أخواتهم ، أو كان متزوجا زوّج ولده من إحداهنّ فاستقطر بإنبيق ديناره دمهم الشريف في دنّ نسبه ، ويا لها من غبطة. وله أن يتوسّل إلى نجيّ (٢٢١) صاحب الملك بالهدايا والطرف ، فيستنزل له وعل جلاء شريف من شرفه ، ولو كان يهوديا ، وله استطاعة على أن يستعمل أمهر فقهاء الشريعة في تبرئته إن كان معيبا ومدّعى عليه ، أو استخلاص حقّه إن كان مدّعيا فيصيّرون له النور ظلاما ، والظلام نورا ، وأن يستخدم كتّاب الحوادث فيشيدون بذكره
__________________
(٢٢١) نجيّ صاحب الملك : من يفضي إليه بسرّه. (م).