فتن امرأة بحسنه ، ومن يكن مطّلعا بالعلوم الفنون ، فإذا سالته عن شيء لم يجبك إلا بعد التروي ، ولا ينسب إليه حلّ المشاكل واستخراج المجهول ، وإذا سألته عن شخص يدّعي العلم ويؤلف ما لا يرضى به العلماء قال : لعلّه استعجل فيما ألّفه ، ولم تمكنه مراجعته ، وقد يكون مع المستعجل الزلل. ولا يعيا عن أن يجد له عذرا يستر به عيبه. ومن يكن في أعلى المراتب لم يستنكنف أن يجيب من يسأله أيّا كان ، فقد تبيّن لك أن كبر الإنكليز إنّما هو في وجوههم أكثر منه في ألسنتهم وقلوبهم ، وإن وسم الناس إياهم بالعجرفة مطلقا ليس في محلّه ، إلا أنّي لا أنفي عنهم الاتصاف بعزّة النفس وترفيعها عن أن تذل لأحد ، وهي من الخلائق المحمودة.
فأمّا كبر السفلة فهو إبداء العبوس أيضا مضافا إليه عدم التأدّب في الكلام والحركات ، ونبرهم في الخطاب ، وسوء الضحك واللقاء والمنصرف وهلمّ جرا.
أنواع الكذب
هذا وكما اشتهر عن الإنكليز الكبر كذلك اشتهر عنهم الصدق ، ولكن ينبغي أن تعلم أيضا أن الكذب على أنواع : أحدها نيء مائع ، وهو الذي اتصف به أهل البلاد المشرقية ، وذلك كأن يعدك الإنسان بالحضور في الساعة الفلانية ، ثم يخلف ، أو يعدك بقضاء حاجة ، وفي قلبه أن لا يقضيها أو أن يسافر إلى استانبول ، ويقول : إنّ مؤلف كتاب الساق على الساق قد ضغط بين عاجلتين فمات ، أو أن تكون قد أرسلت له كتابا فينكر وصوله ، أو أن يقول لك : قد أطريت عليك البارحة عند فلان ، فهو يبلغك السلام ، ويدعوك إلى منزله ، حتى إذا سرت إليه وجدت الأمر بالعكس ، أو أن يقول : نويت السفر غدا إلى المشرق ، ثم يسافر إلى المغرب ، وغير ذلك ممّا لا يجدي نفعا ولا يوصل فائدة.
والثاني : كذب مطبوخ جامد ، وهو ما تستعمله الإفرنج وخصوصا تجارهم ، فيكتبون مثلا على بضائعهم أنها من أنفس الأشياء وأنها صنعت باختراع آلات جديدة أحدثت عن طول تبحّر في علم الهندسة ، وأن لحمة هذا الثوب من الهند وسداه من الصين ، أو أنه سلطاني أو ملكي أو أميري أو مولوي أو وزيري ونحو ذلك ،