يمينك وشمالك موازنا لخطواتك ، شامخا بأنفك ، مصعّرا خدّك .. إلى آخره. ولو جئته بجالينوس والفيروز آبادي ليطلعاه على حدّ العافية وتعريفها لم يقنع منك.
ومنهم من إذا غاب يوما عن وطنه قال لمن يجهل نسبه : إن أبي كان رئيس المنشئين في الديوان ، وعمّي كان وزير الأمير ، وخالي سميره ، وإنّي إنّما قدمت بلدكم للتّنزه والتفرّج وما أشبه ذلك ، ومنهم من إذا لم يجد مجالا في نفسه للمدح والمباهاة افتخر بابيه ، أو جده أو عمّه أو بداره أو ببلدته ، وأعتقد أن كل شيء يضاف إلى ضميره يعجب الناس. وقد سمعت مرة واحدا من هؤلاء المفتخرين يقول : قد جرحت إصبعي بالأمس ؛ فخرج منها دم أحمر قان أعجب وعجب جميع الحاضرين.
ومنهم من يستفزه العطس والضنك إلى أن يغادر وطنه ؛ فيقصد أمير بلدة أو شيخ قرية ويلثم يديه ورجليه ويتضرّع إليه أن يؤويه أياما ريثما يجد مكانا ، فإذا رأيته والحالة هذه وسألته عن مقره أجابك بأن الأمير فلانا دعاه إلى النزول بداره ، وأمسكه عنده ؛ ولا يريد أن يطلقه كلفا به.
ومنهم من يروعك بمخطته الشديدة فتظنّ أنّ المكان تزلزل منها ، أو بتجشّئه الذي يسمع له صد (٢١٩). ومنه من إذا حيّيته في الصباح شخر وزمجر ، وفتل شاربيه وزفر ، وقس على ذلك من يزكّي حرفته ، ويفتخر بصنعته إلى ما لا نهاية له ، فإذا تقرّر ذلك فاعلم أن كبر الإنكليز من النوع الأول وهو أنك تنظر فيهم الأنفة وكلوح الوجه ، ولكن متى خاشبت(٢٢٠) منهم أحدا تبيّن لك أنه لا فخور ، ولا فياش. فمن كان دخله منهم في العام ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١ ليرة أوهمك أنه مثلك ، إذا كنت مثلي ذا همّ في معيشتك ونصب ، ومن يكن عنده ألفا كتاب مثلا فإذا قلت له : ما أكثر كتبك. قال لك : لعلّي مسرف في شرائها ، وما كان ينبغي لي هذا. مع أنه لو قال لك : إني قادر على شراء ضعفيها لكان من الصادقين.
ومن كان منهم يحكي البدر جمالا كقول شعرائنا لن ينبس بكلمة تدلّ على أنه
__________________
(٢١٩) في الطبعة الأولى : صدى. (م).
(٢٢٠) في الطبعة الأولى : خاطبت. (م).