عودة إلى غريب طباعهم
(عود إلى ما كنّا فيه) وقد يكون أحد هؤلاء العلية مديونا لشخص ، فيسافر إلى بلاد بعيدة من غير أن يؤدّي إليه حقّه ، وقد يكون له وكيل أو صديق ولا يوكله عنه في ذلك ، فإذا سأل الرجل وكيله عن سبب سفره قال له : قد كان يريد أن يراك قبل ذهابه لكن العجلة اضطرته إلى السفر بغتة ، وقد صعب عليه ما جرى وهذه الخصلة أعرفها منهم في مالطة أيضا وليست ناشئة عن طمع في أكل الدّين أصالة ، وإنما هي عدم المبالاة والاكتراث ، وعن الاعتماد على صدقهم ووفائهم ، وعلى مقتضيات الجنتلمانية. ولكن ما معنى صعب عليه هنا أو حزن ، أو اكتأب ، أو كمد أو ترح ، أو كل مرادفها؟ وهو لا يدري متى يعود من غيبته ، والرجل محتاج إلى أجرته أو ثمن حاجته.
ومن طبعهم أيضا أن لا يسمعوا تظلّم الغريب من أحدهم ، ولا سيّما إذا كان المتظلم دون المتظلّم منه ، وإن كانوا يعلمون لهذا سابقة في الشطط على بعضهم. وإذا استلمحوا من الشكوى نورا يريهم أن كل بشر مظنة للخطأ والقصور ، فإنما يكون ذلك في جهة الشاكي لا المشكو منه ، وهذه الخلّة من جهة هي صنو تلبثهم في اللوم على ما تقدّم ، ومن جهة أخرى هي من قبيل التعصب والزيغ.
حبّ كبرائهم للسمعة
ولهؤلاء الكبراء حبّ للسمعة يفضي إلى قسوة القلب ، فإن أحدهم قد يهون عليه مثلا أن يعطي الجمعيات الدينية ثلاثمائة ليرة في السنة وإن كان لا يعلم بأي وجه من وجوه البر تصرف ، أو لأي مقصد تستعمل ، وإذا مرت به امرأة فقيرة حافية تحمل رضيعين ، وعلى وجوههم سمة الانكسار والجوع ، لم يختلج قلبه ليجود عليها بدرهم واحد ؛ حيث يعلم أن المرأة لا دفتر لها تكتب فيه اسمه ، وتنشره على الملأ كما تفعل الجمعيات.
ومن طبعهم وطبع العامة أيضا أنهم يشمئزون من أن يسمعوا من الغريب تعييب