عاداتهم ، ومنكر أحوال بلادهم ، وإنما ينبغي أن تنتظرهم حتى يخوضوا هم في ذلك ، ولا شيء أسوأ عندهم من أن يفصل الغريب (٢١٦) عن بلادهم وفي قلبه شيء عليهم.
نفوذ السيدات وسهولة خداعهن
واعلم أن للسيدات هنا نفوذ كلمة بالغا جدا ، ولا سيّما في الأمور التي يشمّ منها رائحة الديانة والذريعة إلى إمالتهن وإرضائهن لمن حاول ذلك كما فعل بعض الطامعين ، هي أن يقول لهنّ : ما أعجب ما أرى من أحوال نساء هذه البلاد المباركة ، وما هنّ عليه من حسن الأخلاق والفضائل الباهرة ، فإنّ نساءنا يجهلن القراءة والكتابة ، ولا يعرفن ما يجب عليهن لله وللعباد ، فمن أجل ذلك لا يحظين عند بعولتهن ، فعيشة الرجل مع زوجته عندنا عيشة خصام ونقار ومقت ونغص ونكد وكمد ، ألا ليتكن تتعطّفن عليهن ، وتنشئن لهنّ مدارس لتربيتهنّ وتهذيبهنّ ، فتكسبن بذلك الثواب من الله والثناء من الناس ، وما أشبه ذلك من الكلام الحامل لهنّ على الاعتقاد بأفضلية أنفسهن ، فينظرن إلى ذلك القائل نظر الرفيق الشفيق ، وينزله منزلة رسول من الله لإنقاذ نساء بلاده من ورطة العمه والجهل ، ويعتقدن أنّه متى رجع إلى وطنه أذاع بين الناس محامدهن ، وهو أي ذلك الأصيل الذي فعل هذا ، والمقتدي به قائل في نفسه ألا ما أهون خدعتكن عليّ مع وجود أضابير كتب متنوعة في خزائنكن أيم الله إن جميع ما عندكن من التحف والأسفار لا ينفعكن من دهائي شيئا ، فإن الدهاء ملكة غريزية في الإنسان لا تؤخذ عن الكتب ، وهكذا ينوهن باسمه ويصبح عندهن معزّزا مكرّما تدعوه واحدة للصبوح ، وأخرى للغبوق وكذلك إذا ألقى مثل هذا الحديث على أحد من أهل الكنيسة ، فأن بين القسيس والمرأة لا يعدم الإنسان هنا أن ينفذ مخاريقه ، وإذا اجتمعا له كان ذلك من سعده. وإذا كان في خلال إطرائه هذا يتنهّد ويزفر ، وتغرغر عيناه بالدموع كان أنجع وأبلغ ، ثم ما عليه بعد ذلك أن يقهقه أو يحنبش فإن للضحك وقتا وللبكاء وقتا ، وهذا التدجيل
__________________
(٢١٦) فصل الغريب عن بلادهم : غادرها. (م).