زيارة العلية وشروطها
وينبغي لمن أكرمه الله عزوجل بزيارة أحد هؤلاء الأمجاد والماجدات ألا يذهب إلا في وقت الزيارة المعلوم وهو بعد الضحى ، وأن يكون مجملا باللباس الفاخر ، نظيف الثياب حالقا شاربيه مرجّلا شعر رأسه باردا أظافيره ، ماسحا نعليه ، ساترا كفّيه بجلد أبيض. فإن قولنا : المرء بأصغريه ، ولا تكلمك العباءة وإنما يكلمك صاحبها ، وربّ حرّ ثوبه خلق ، لا محل له من الإعراب عندهم. وينبغي أيضا أن لا يحدق فيما يراه من المتاع والأثاث ولا يمسّه بإصبعه فإنّ كلّ ما يكون بالمجلس حرم ، ولا يبتدر الرجل بالخطاب ، ولا يكن سائلا فإذا كلّمه مولى الدار ثلاث كلمات أجاب بثلاث ، وإن زاد فليزد ، ولا يلزّه في الجلوس ، وإن مسّ كوعه فصلاة الاستغفار ، ويندب المشي على البساط قورا (٢١٥). ومن العيب أن يذكر الإنسان بحضرتهن اسم رجله أو ساقه أو ظهره ، وأقبح من كل قبيح أن يقول : بطني ، حتى إن لفظة البطن بلغتهم مستهجنة ، ومثله الفخذ حتى من الحيوان ، وفي بعض البلاد قد تقول المرأة إذا دعوتها للأكل بطني ملآن ولا تستحي. ولا يحكّ بحضرتهن موضعا من جسمه ، ويفرض أن لا يبصق ، ولا يسعل ، ولا يمخط ، ولا يفنخر ، ولا يتجشأ والعياذ بالله ويندب أن لا يتنحنح ، ويجب أن لا يشم منه رائحة الدخان ، وأعرف سيّدة كانت إذا شمّت رائحته في ثياب زوجها سواء كان منه أو من غيره أجبرته على نزعها.
وقد كان دعاني بعضهم إلى أن أزوره ، وأمكث عنده أيّاما ليسمع منّي لفظ العربية ، وقال لي : قد جئتك من مكان سحيق قصد أن تنزل عندي ولك علي كل ما يرضيك.
فقلت له لكن ينبغي أن تعلم أني أتعاطى الدخان ، وأن نساء الإنكليز لا يسمحن به.
فقال : إنّ حول الدار بستانا ، فمتى أردت أن تدخّن تمضي إليه.
فقلت في نفسي : هذا أول المباحث على العنت.
__________________
(٢١٥) في الطبعة الأولى : ويستحب المشي على بساطه قدرا. (م).