أغناه ذلك عن حلس الجاء. ولا شكّ أن الفضل بغير جلاء خير من الجلاء بغير فضل.
وقد كنت ترجمت نبذة من لغتنا وبعض محاورة لأجل أن يطبعها بعض الورّاقين بلندرة ، فلما انتهى طبعها كتب في صفحة العنوان أنها من تأليف فلان مدرّس اللغة العربية بمالطة سابقا ، ومترجم جميع أسفار التوراة والإنجيل ، ومؤلّف كتاب الفارياق إلى آخره. فقلت له ما الموجب إلى ذلك كلّه فقال : إنّ الإنسان هنا إنّما يعتبر بألقابه لا بأتعابه ، وخلوا من تعديد الألقاب لا يباع كتاب.
ولكلّ عيلة شريفة من هؤلاء الرؤوس لباس مخصوص لخدمتهم وخدمتهم ، ولهم أيضا لهجة مخصوصة فيه لجلجة في الكلام ، أو كما يقال رخاوة حنك ، حتى إن اللاعبين في الملاهي يحاكونهم بها ويسخرون منهم ، ولهم أيضا تنطّس زائد في مراعاة جانب العرض ، فإنّهم لا يقبلون في مجالسهم من علم أنه عائش مع امرأة على وجه المتعة أو السفاح. وعند الفرنسيس لا حرج فيه ، وكذلك لهم تشدّد في الصدق ، فإنّهم إذا عرفوا من أحد الكذب ولو مرّة واحدة سقط اعتباره من أعينهم ، ومع ذلك فهم أكثر الناس عرضة للتدجيل والخداع.
معاشرة عليّة الإنكليز لأزواجهم
ومنها أن معاشرتهم لأزواجهم أشبه بمعاشرة الأجانب ، فلا يأنس أحد بشيء من الدالّة بينهما. فبينهما من التحشّم والتكلّف ما بين الغريب وأحدهما ولا يقول السائد عن امرأته زوجتي قالت ، أو قرينتي ، بل يقول : قالت الست. ولا يفتح رسائلها التي ترد باسمها ولا يتطالل إلى معرفة أحوالها. وإذا أتاها زائر رجلا كان أو امرأة جلس معها من دون حضور زوجها ، وإذا كانت في حجرتها لم يدخل عليها إلا بعد أن يقرع الباب ، ومتى أرادت الخروج فلا تستأذنه ، وإنّما تشعره به إشعارا ، ولها أن تستخدم من شاءت ، وأن تذهب إليالملاهي مع معارفها سواء كان زوجها صحيحا أو عليلا في الفراش. وإذا زارهم أحد من معارفهم أو أصحابهم يأتمنونه على بناتهم ونسائهم فيخرج معهن ليلا ونهارا ، والغالب أن يكون خرجهما أولا إلى الكنيسة