أيضا يعاملهم بمثل ذلك. أمّا عندنا فربّما تعطّلت مصالح الإنسان بكثرة زواره حتى يضطر أخيرا أن يحمل وسادته ، ويقول : شفى الله مريضكم.
وهذه الصفة أي حسن الترتيب يظهر أثرها بزيادة من أهل الرئاسة والسيادة والإدارة منهم ، فإنّ رجال الدولة إذا أرادوا أن يباشروا أمرا من الأمور الجسيمة ، فإنّما يباشرونه بغاية الإحكام والضبط بحيث لا يوجب تغييرا ما في الأحكام ، ولا إزعاجا بشيء على الرعية ، فإذا اضطروا مثلا في وقت الحرب إلى تجنيد جيوش وتجهيز بوارج ، وذخائر فلا يكون ذلك موجبا لاضطراب الناس ، وتغيير أحوالهم ، أو لغلاء الأسعار.
وإذا شاؤوا أن يجعلوا على الناس ضريبة لسدّ مصاريف الحرب ، أحيل ذلك على مجلس المشورة النائب عن الجمهور ، ومعلوم أن الإنسان ليهون عليه أن يؤدّي شيئا على يد نائبه أكثر من أن يؤدّيه على يد غالبة قاهرة. وفي بعض البلاد إذا شرعت الدولة في تجهيز العساكر للحرب رأيت جميع الناس يموجون في الأراجيف ، ويخوضون في التهاويل ، فيظلم إذ ذاك القوي الضعيف ، ويأخذ المرء بثأره من خصمه ، وتختلّ أسباب التجارة ، ويعدم الأمن بين المتعاملين ، فتكون غائلة الحرب مشعورا بها في داخل المملكة أكثر من خارجها. وقد كانت مدّة إقامتي في هذه البلاد قبل حرب الروس مع الدولة العليّة العثمانية ، وفي خلالها وبعدها فلم يتبيّن لأحد فرق في شيء ما أصلا.
مصلحة البريد (البوسطة)
ويلحق بذلك أن تحصيل لوازم المعاش في الصيف والشتاء يكون شرعا فلا يتعذّر وجود شيء منها بأحد الموانع ، وفي غير البلاد متى دخل الشتاء ، وهطلت الأمطار تعطّلت الطرق ، وانقطع المجلوب من المأكول والمشروب ، فترى كلّ واحد منجحرا في بيته إلى أن تتيح له فرصة الخروج ، فإذا لم يكن الإنسان قد حاكى النملة بأن اتخذ مؤنته في داره صيفا هلك جوعا.
ومن أعظم ما يؤول إلى تنظيم الأمور ترتيب البوسطة وضبطها ، ففي سنة ١٨٥٥