لي : إنّي ليعجبني حسن تصرّفك فينا ، ونزاهة نفسك ، وذلك ممّا يدعوني إلى إجابة سؤالك، غير أني أنكر عليك شيئا شاع عنك.
قلت : اذكر لي حتى أتجنّبه.
قال : إنّ الناس يقولون : إنّك قدمت إلينا جاسوسا من رف الإنكليز ، وإذا كان ذلك حقّا فلا يسعني إسعافك بحاجتك.
قلت : بودّي لو كنت جاسوسا إذن ما كنت لأكلّف أحدا بشيء ، فإنّ جاسوس الإنكليز يستغني بوظيفته عن أن يتوصّل بأحد إلى نوال أربه.
ولا شكّ في أن المومأ إليه سمع عنّي ذلك ، فإنّ من طبع الفرنسيس ، ولا سيّما شرطة الديوان ، أن يتجسّسوا عن أحوال الغريب بينهم ، فإذا علموا أنه يعيش بلا حرفة يتعاطاها حكموا بأنّه إمّا بأن يعيش من رزقه ، أو من حيلته ، وحيث كانوا يعلمون أنّي لم أكن أتعاطى حرفة ، ولست غنيّا ذا عواجل وولائم استنتجوا من هاتين المقدمتين أنّي جاسوس. ومثل ذلك لا يشغل به أحد من الإنكليز باله ، فغاية ما يرومونه من الغريب أن يحسن تصرّفه ، ويقضي دينه ، إلا أنّ من يسكن عندهم في القرى يلزمه من باب المجاملة والمخالقة أن يذهب إلى الكنيسة في يوم الأحد ، وأن ينام فيها. فأمّا في المدن الجامعة فلا يلزمه ذلك ، وقد شهر مرّة في صحف الأخبار أنّ الملكة أهدت إلى بعض الجند منديلا قد كفّ بكفّ ابنتها ، فلم يعبأ بهذا الخبر أحد ، ولا ظنّ بها أحد سوءا ، ولو شهر أمر مثل هذا في بلادنا عن أميرة لبقي شغل الخواطر والألسن أحقابا.
ومن ذلك كلامهم بصوت منخفض وهي صفة تكاد أن تكون من خصوصيات نسائهم. وفي بعض البلاد قد تسمع للنساء زعيفا (٢٠٧) وزعيقا كأصوات الجن.
ومن ذلك حسن الترتيب والتدبير في الأشغال والمصالح والتوقيت للعمل فلكلّ شيء عندهم وقت ، ولكلّ وقت شغل ، فإذا اتفق أن زارهم أحد في ساعة الشغل لم يتحاشوا أن يقولوا له مثلا : قد أنسنا بك ، ولكن علينا قضاء ما لا بدّ منه من المصالح ، فلا تؤاخذنا ، وزرنا في يوم كذا ، فينصرف عنهم عاذرا لا عاذلا لأنّه هو
__________________
(٢٠٧) كذا وردت وأحسب صوابها : عزيفا : والعزيف : صوت الجن. (م).