العرب بخلاف ذلك ، فإنّهم يسهبون في افتتاح الرسالة ، ويوجزون في الإمضاء ، فإذا كتب مثلا الداعي فلان ، أو عبدكم فلان كفى. وأهل تونس والغرب يكتبون كاتبه فلان.
عادتهم في الزيارة واللقاء
وكما اختلفت عادتنا عادتهم في المكاتبة والخطاب ، كذلك اختلفت في الزيارة واللقاء ، فإنّك إذا دخلت على أحد من أهل العربية احتفى بك غاية الاحتفاء ، وإن لم يكن بينكما صلة أو معرفة. وعند الانصراف لا يزيد على أن يقول لك : في أمان الله ، وربّما لم يقم لك. وإذا دخلت على إفرنجي أراك أنه مشغول عنك بما هو أهم من الزيارة ، وسألك أن تسرع في عرض حاجتك ، وعند انصرافك من عنده ينهض لك ويرافقك إلى الباب. وعند الفرنسيس لا بدّ من أن يكلّمك هناك كلاما يوجب وقوفكما ولو دقيقة إشارة إلى أنّه لم يمل منك. وفي الجملة فليس من الإفرنج من يصدق عليه إذا طرقه طارق قول الشاعر :
فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا |
|
رشدت ولم أقعد إليه أسائله |
أو قول الآخر :
سلي الطارق المعتر يا أم مالك |
|
إذا ما أتاني بين قدري ومجزري |
أيسفر وجهي إنه أول القرى |
|
وأبذل معروفي له دون منكري |
قال النمري : المعروف ههنا القرى والإيناس وما شاكلهما ، والمنكر ههنا أن يسأله عن اسمه ونسبه وبلده ومقصده ، وكلّ هذا ممّا يجلب عليه حياء.
ثم إنّ ما عبت به الإنكليز من الأخلاق والعادات مبني على اعتبار ما وصل إليهم من الفنون والعلوم ، وعلى كثرة ما عندهم من الوسائل الجديرة بأن تصفّي طباعهم عن غلاظة أسلافهم ، وتقدم بهم إلى الكمال. فإنّ ما يطبع عندهم من الكتب وصحف