نصف الليل ، ولها قصّة طويلة لا يمكن إيرادها هنا.
ومن ذلك اعتقادهم بأنّه متى احتضر شخص حضر في منزله روح يسمّونه رصد الميت فيسمع له قرع على الباب أو الحائط أو صوت نحو صوت جرّ السلاسل ، أو طنين الجلاجل ، فإذا سمع ذلك منه ثلاث مرّات كان الموت بعدها لا محالة.
ومن النوادر هنا أن رجلا كان يماشي زوجته في بستان ، وهما يتحدّثان ، وفيما كان يكلّمها أحسّت بكرب وانقباض ، فقالت له : تنحّ بنا عن هذا الموضع فإنّي أظنّه محضورا(١٩٥). فتنحّى عنه ، ثم سال بعد ذلك عنه فعلم أنه عند تحادثهما كان بالقرب منهما رجل يقتل نفسه.
وقرأت في بعض صحف الأخبار أن رجلا قتل ولدا صغيرا فقضي عليه بالموت ، ولّما سئل عن سبب قتله أياه قال : كنت أريد أن أتخذ من جمجمته مصباحا ساترا حتى أدخل البيوت ولا يراني أحد.
واتفق في بعض السنين أن ظهر في السماء نور أبيض امتدّ من المشرق إلى المغرب خفيف المرّ ، وكان كأنّه هباء ، ثم انتشر في عنان السماء كلّه وظهرت عقب ذلك جمرة في الأفق ، ثم كثر وعظم فطفق أهل الدار التي كنت فيها يبكون ويضجّون ويستغيثون ، فسألتهم عن سبب ضجيجهم ، فقالوا : إنّها آية على المعامع والحروب. فقلت «كلا بل هي آية على فساد البطاطس ، فانقلب بكاؤهم ضحكا. وهذه السنة كانت رابع سنة مشؤومة على غلة البطاطة في إرلندة ، فكان الناس في هاجس عظيم لذلك لأن جلّ طعام أهلها بل طعام الإنكليز أيضا إنّما هو منها. ثم أعقب تلك الآفة حميّات ووباء ، فمات أناس كثيرون ورثى لهم كثير من ادول ، فجاءهم إمداد منها ، وأمدّهم مجلس المشورة بلندرة بعشرة ملايين ليرة.
واعلم أنه قد يتشاءم الإنسان من مكان أو زمان ويتفاءل بغيرهما ، ويكون ذلك مجرّد وهم مثاله أن يكون في محل لم ينتفع فيه إلا بوعود وأماني فيملّ منه ، وينتقل إلى آخر فتتحقّق فيه أمانيه ، فيرى أن ذلك من يمن الانتقال مع أنه لو بقي في المحل الأول لصحّت له.
__________________
(١٩٥) المحضور : الذي يحتضره الجن. (م).