اعتقادهم ، برأي اعتقادهم ، ويزعم أنها أبلغ في المعنى ، وأن الاعتقاد ليس بمرادف للإيمان ، فإنه إنما ينظر إلى أصل اشتقاقه وهو العقد ، وهو غير مفيد معنى الإيمان ، وكان يبدل ماء البحر بمياه البحر ، وهذا لا محظور منه إلا أن تبديله هوس ، وجزم بأن قولك في السؤال ما يكون لنا أبلغ من ما عسى أن يكون لنا ، وأن من ثم التي يؤتى بها للسببية غير كثيرة الاستعمال ، ولا تسدّ مسدّ ولهذا.
وكان يزعم أن لفظة المعجزات ليست من كلام النصارى حتى وجدناها في نسخة رومية. ومن أشدّ وساوسه تجنبه للسجع والتركيب الفصيح غاية ما أمكن حتى إنه زعم أن ما في الترجمة من قوله خرجتم إليّ بعصيّ كلصّ ، سجع وحاول تغييرها ، فلم يقدر فتركها وهو آسف. وكذا وهمه في نلت خيراتك في حياتك ، وفي وكان هناك قطيع من الخنازير كبير ، فكان يقول هو من السجع الذي ينبغي مجانبته في كلام الله تعالى ، وكان كلّما رأى جملة تنتهي بالواو والنون أو بالياء والنون يقول : إنها مضاهئة لكلام القرآن فيبدلها ، حتى إنه رأى هذه الجملة وهي وأنتم على ذلك شهود ؛ فقال : إن هذا الوقف يشبه وقف القرآن ، فمن ثم بدلها بقوله : وأنتم شهود على هذا ، ووجدنا عبارة أخرى وهي وما هؤلاء بعابرين من هناك إلينا ، فقال : هذا التعبير فصيح فبدل عابرين بيعبرون. ولم أتعجب من تغييره وإنما تعجبت من أنه شعر بحسن هذا التركيب.
وزعم أن قولك مثلا ؛ وكان رجل اسمه فلان أخصر من قولك يسمّى. وكلما رأى في الاصل عبارة كثيرة الألفاظ مما لا داعي له قال : إن ذلك للتقوية ، وإذا رأى فيه إجحافا ولو مع إخلال المعنى قال : إن فيه خذفا للبلاغة ، وكان يحاول أن يقال : واتفق أنه قال ، واتفق أنه افتكر ، فقلت له هذه لا يصح استعمالها مع الأفعال التي لا تقتضي الندرة في الاستعمال ؛ فلا يقال مثلا جاءني فلان ، واتفق أنه جلس ، فإنه لا ندرة في الجلوس بعد المجيء ؛ فقال وأين أنت من المحافظة على الأصل.
والذي ظهر لي من أحواله أنه فضلا عن كونه شديد التعصب لتوراة ، فإنه كان يتّقي لوم خصمائه فإنه كان ذا خصوم كثيرة ، إلا أنه لا حمق أكثر من أن يترجم من لغة إلى أخرى بعين الألفاظ والتراكيب ، إذ لا يتصور بالبال أن لغة تطابق أخرى في التعبير فكيف يمكن أن يقال بالعربية : خرج الدخان من مناخر الله كما يقال