لكونه نظم أبياتا
في لغتنا ، وشهرها في كتاب مطبوع مع أنّها كلّها لحن وزحاف ، فلو كان ذا أدب لما
تكلّف النظم من دون معرفة قواعده ، وهو بعيد عليه بل على جميع الإفرنج الذين لم
يأخذوا عن العرب.
قال : «كيف ونحن
ننظم الشعر في اليونانية واللاتينية ولم نخالط أهلهما؟». قلت : ههنا فرق ، وهو أن
هاتين اللغتين كالأصل للغتكم ، فتتعلمونهما على صغر أمّا العربية فهي أجنبية عنكم.
قال : إن الرجل
ليمكنه أن يتعلّم أيّ لغة شاء كما يتعلّمها الطفل.
قلت : أمّا أنا
فما هذا مذهبي ، وإنّي أعطي كتبي كلّها لأي إفرنجيّ كان ، إذا نظم بالعربية بيتين
صحيحين بليغين.
قال : أنا أنظم لك
الليلة ثلاثة أبيات.
فلمّا قابلته في
الغد إذا به قد ناولني رقعة كتب فيها :
ألم تر يا صاح
بهذا علامة
|
|
بأن صار الأجنبي
يجري كرامة
|
وإن لم يكن هذا
عروضا مصحّحا
|
|
فلا تعطه أسفارك
عامّة
|
فإن كان ذا إذا
صحيحا وسالما
|
|
ستسلّمه أجرا
أسفارك رامة
|
فلمّا قرأتها قلت
له : فيها زحاف وخطأ.
فسكت ساعة ، ثم
قال : أتدري ما الألف التي في قول أمرء القيس «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل»؟
قلت : هي ألف
التثنية عند بعض ، فإن الشاعر خاطب صاحبين له ، وذلك مستفيض في كلامهم ، وعند بعض
أنّها مقلوبة عن نون التوكيد. قال : «هذا كلّه تمحّل وتعسّف ، وإنّما هي مقلوبة من
الهاء من العبرانية ؛ فإنّ اليهود يلحقون الهاء بفعلي الأمر والنهي دلالة على
الطلب والتوسل». ثم بينت له بعد ذلك خطأ أبياته.
فما كان منه إلا
أن قال : إنّ لغة العرب ليست مطبوعة كسائر اللغات بل هي لغة مصنّعة متكلّف فيها
كثرة القواعد والضوابط بخلاف لغات أوربا ، وطفق يبيّن أنّه