متساوية لا اختلاف فيها إلا ما ندر. أمّا أهل الطبقة الثانية فإنّ لهم من وجه نزوعا إلى الأولى بالنظر إلى العزّ والاستبداد ، ومن وجه آخر ينزعون إلى الباقي بالنظر إلى الجنسية والألفة. والغالب على جميع هذه الطبقات حبّ الوطن والمباهاة بما عندهم من الصائع والأحكام ، والإذعان للقوانين التي بنيت عليها معاملات دولتهم ودواوينهم.
وحيث كان أصحاب الطبقة الأخيرة هم الجمهور الأكبر كما ذكرنا ، وهم الحريون بأن يقال فيهم بريتانيون ، أو إنكليز لكونهم بقوا على قديم أحوالهم وأطوارهم ولم يعرفوا غيرهم من الأجيال لا بالمعاشرة ولا بالمطالعة ، وجب أن نقدّم ذكرهم أولا فنقول : إن أوّل خلّة يراها الغريب فيهم هي عدم اكتراثهم له ونفورهم منه وابتعادهم عنه ، فلا يفرحون لفرحه ، ولا يحزنون لحزنه ؛ بل لا يعني أحد منهم بشأن جاره ، ولا يهمّه أمر غير أمر نفسه.
فكلّ ذي حرفة يقتصر على الاشتغال بحرفته مدّة حياته ، ولا يتطاول إلى معرفة شيء غيرها. فالفلاح مثلا لا يعرف شيئا إلا ما آل إلى الحرث والزرع ، والقين لا يدري ممّا يحدث في بلاده سوى ما اختصّ برواج سعر الحديد ، والطلب على الأدوات المصنوعة منه وهلم جرّا إلى المهندس والطبيب.
وإذا استراح الرجل منهم ساعة قضاها بذكر ما عمل وما سوف يعمل. ويقال إن بهذه الخصلة استتبّ عزّ دولة الإنكليز وعظمت شوكتها لأن الرعية لا تعترض ذوي الأمر والنهي في تدبيرهم ، ولا يتطاولون إلى معرفة ما تقتضيه سادتهم وأهل شوراهم ؛ فلذلك قلّما يحدث عندهم شغب أو فتنة. بخلاف أهل فرنسا فإنّ كلا منهم يتطفّل على أولياء الأمر ، وهذا هو السبب في كثرة العساكر وقلّتها هنا. فإن جميع ما في بلاد الإنكليز من العساكر لا يزيد على خمسة وعشرين ألفا ، فإذا قسمتها على عدد الأهلين وهو سبعة عشر مليونا ونيّف كان كأنّه قطرة من بحر. ولقائل أن يقول أيضا : إن لذلك أي لعدم الفتنة سببا آخر ، وهو فقرهم المانع لهم من الاشتغال بغير ما يكسبهم القوت الضروري. فإنّ هؤلاء النحل العسّالة في خيلة الاجتماع الإنساني إنّما يعملون كما قال بعضهم لتسمين الزنانير البطّالة. وهم أطوع خلق الله لأولياء أمورهم ، فلو نهوهم عن أن يناموا مع نسائهم لانتهوا. ويمكن أن يقال