من تنصب حرّ وجهها لحرّ الشمس في الصيف بأن تعزق الحقول ؛ وتحمل الأحمال الثقيلة ، وتحصد وتبذر وتجمع الحصود ، وتحتطب ، وما أشبه ذلك. وفي شهر حزيران حين يقطع الحشيش ترى نساء كثيرة يجمعنه ، وحين يحصدن الزرع لا يعملن بنصّ التوارة في سفر الأحار فإنّهن يحصدن الأرض من تحته ، ومع هذا الشقاء فلا تزيد أجرة المرأة في اليوم على نصف شلين ، وهو بالنسبة إلى غلاء بلادهن بقيمة قرش عندنا. فكنت أقول في نفسي ما أرخص الجمال في هذه البلاد ، وما أقسى قلوب الرجال الذين يحوجونهنّ إلى هذا الابتذال ، أو لعلّهم يريدون صبغ هذا البياض النقيّ بورس الشمس أو سحمة الضباب :
فلو برزت سواعدهن يوما |
|
لشاعرنا لأنشد من ذهول |
بربات الحقول يحق لي أن |
|
أشبّب لا بربّات الحجول |
ولو برزت ترائبهن ليلا |
|
لصدر الدولة القرم الجليل |
لقال خذوا حظايا الكرج عني |
|
فدى الصّلفات عند ذوي الخمول |
وفي الجملة فلا شيء أرخص من الجمال في هذه الديار.
حبّهم للسمرة
هذا ولّما كان لون البياض عامّا في الرجال والنساء في هذه البلاد كانت المرأة السمراء محبّبة إلى الرجال جدّا ، والرجل الأسمر محبّبا أيضا إلى النساء جدّا. وهذه الطائفة المعروفة عندهم باسم جبسس ، وهم صنف من نور بلادنا وغجر مصر لو لا دناءتهم لكانت علية الإنكليز تصاهرهم وذلك لسمرة لونهم وكحل عيونهم ، وقد كان الدكطر لي متزوّجا إحدى هؤلاء الجبسيات رآها مرّة فأحبّها لسمرتها ، وأحبّته هي لبياضه ، فوعدها بأن يتزوّجها بشرط أن تتهذّب في مذهب النصرانية ، فأجابته إلى