على الإسراف. وما عدا هذه الأنواع الثلاثة فقلّ أن تبصر مليحا. فأمّا في باريس فلم ألحظ ذلك إلا في دكاكين اللّحّامين حيث تنتاب الخوادم لشراء اللحم ، والذي يظهر في الجملة أنّض رجال الفرنسيين أجمل من نسائهم ، ومن رجال الإنكليز ، وأنّ نساء هؤلاء أجمل من رجالهم ومن نساء أولئك. ومن العجب أنّ الإنكليز قد يبلغ أحدهم السبعين ولا يخطّه الشيب لا في رأسه ولا في عارضه ، وإنّما يغلب عليهم في هذه السن الدّرم والدّرد أعني : سقوط الأسنان. وعندي أن أعظم أسباب الشيب في الأصل هو الهمّ والخوف من ظلم الولاة وذي الإمرة ، فإن أحد الإنكليز إذا كان يملك مثلا مليون ليرة لم يخش أن أميره ، بل ملكه ينفس عليه بذلك ، لا بل يتباهى به ما شاء لاعتقاده أنّ غناه وغنى أمثاله موجب لغنى الدولة وشرفها ، ولا يخشى أيضا أن يتطاول عليه في حقوقه أحد ممّن هو أعلى منه فإنّ الجميع في الحقوق متساوون ، وإنّ القاضي والجرنال عتيدان (١٥٥) لكلّ من الغني والصعلوك ، والنبيه والخامل. وحسبك أنّ بعض باعة الشراب أقام دعوى على دوك كمبريج ابن عم الملكة فما وسعه إلا الحضور بين يدي القاضي.
ثمّ الغالب عليهم أيضا الكلوح والعبوس ، ولا سيّما أهل القرى وإن يكن جوّهم أصفى من جوّ أهل المدن ، وذلك لأنّ في المدن كثيرا من الملاهي والملاعب ، ومن العازفين بآلات الطرب. فمتى سمعت الأم الموسيقى أخذت طفلها ورقّصته عليها أو غنّت له فيدرب بذلك ؛ فيغرس فيه حب الطرب والخفّة والبشاشة. فأمّا البلاد الخالية من ذلك فلا بدّض وأن ترى وجوه أهلها عابسة باسرة وطباعهم بليدة.
نساء الإنكليز
أمّا نساء الإنكليز فلونهن البياض المشرب بحمرة ، وعيونهن شهل أو زرق في الغالب ، وشعرهن أسود غالبا وإن اشتهر خلافه إلا في حواجبهم ، فقلّ أن تكون حالكة. وأسنانهن أحسن ممّا يظن في أمثالهن ممّن ربّي في البلاد الباردة. وقد زيّن
__________________
(١٥٥) يشير إلى دور القضاء والصحافة في الدفاع عن حقوق الناس على اختلاف طبقاتهم. (م).