سكك الحديد ومصالح أخرى
أمّا مصلحة سكك الحديد في بلاد الإنكليز فهي أعظم المصالح التي شغلت منهم خواطر الأغنياء والمستربحين والمستنبطين ، فإن مجموع رأس المال الذي وضع فيها يبلغ مائة مليون ليرة ، ومجموع رأس المال الذي وضع في أشغال القطن يبلغ أربعين مليونا ، والذي في أشغال الصوف ثمانية عشر ، والذي في الحديد أحد وعشرون ، والذي في الحرير ستة عشر ، ومجموع رأس المال الذي وضع في أشغال الحديد في بلاد الدول المتحدة ثلاثون مليونا.
ويحكى عن رجل في بلاد الإنكليز أنّه كان في الأصل بزّازا خاملا فتعاطى أشغال هذه السكك فحصل له توفيق فيها ونجاح وما زال يزيد نجاحا حتى استغنى غنى لم يذكر مثله في التواريخ قط ؛ فيقال إنه صار يتولّى أشغال خمسين ألفا من الصنّاع يعملون تحت يده ، والذي فاق في شهرة الغنى في التواريخ القديمة رجل من أهل رومية يقال له : كاسيليوس أزيدوروس. قيل إنّه لمّا مات ترك ١١٦ ، ٤ عبدا و ٦٠٠ ، ٣ ثور ٠٠٠ ، ٢٠٠ رأس من البهائم ، وثلاثة ملايين ليرة. وحيث تسمع بأن رجلا بمفرده غني جدّا فاحكم على كثيرين بأنّهم فقراء جدّا.
ثم إنه لما نشّم (١٤٩) بعض المحترفين من الإنكليز في إنشاء سكك الحديد ، ولهج بها المتكسّبون لم يكن أحد يصدّق أنّها تصل إلى ما وصلت اليه ، بل كان كثير يستخفّون بها ويسخرون ممن وجّه همه إليها ، فقد كتب في بعض صحف الأخبار منذ عشرين سنة ما نصّه : أمّا هؤلاء المصطرفون الذين يخيّل لهم أن ينشئوا سكك الحديد في جميع جهات المملكة حتى يستغنى بها عن السفن والعجلات والعواجل والحوامل وغيرها مما يركب الناس فيه برّا وبحرا ، فإنّا ننزلهم وتصوراتهم هذه التي هي أضغاث أحلام ، منزلة من هو غير جدير بأن يشغل به الخاطر.
وأوّل سكّة وضعت في هذه البلاد كانت في جهة نيوكاستل في اوائل الرن السابع عشر ، ولكن كانت قضبانها من خشب ، وكان المقصود منها نقل الفحم عليها
__________________
(١٤٩) نشّم في الشيء : بدأ به. (م).