لمحمد أن يتداول السحر ، ولا رصدوا عليه مأخذاً في ذلك ، ولكنها تهمة الأنبياء في كل زمان ومكان ، كما وصف ذلك القرآن : ( كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) ) (١).
وأرجف بهؤلاء وأولئك القرآن العظيم ، فصكهم بهذه الايمان العظمى ، ليقطع دابر القول ، ويكشف الحقيقة كما هي : ( فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ (١٥) الجَوَارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ (٢٣) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) ) (٢).
وأعيتهم السبل ، وبان عجزهم ، فنهىٰ بعضهم بعضاً عن سماع القرآن ، وأمر بعضهم بعضاً باصطناع الضوضاء عند قراءة النبي للقرآن ، قال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) ) (٣). فما غلبوا بل انتكسوا ، وما انتصروا بل انهزموا ، وصكهم القرآن بالإنذار النهائي : ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (١٣) ) (٤). فحدثني أستاذي المعظم آية الله السيد محمد علي الحكيم مد الله في عمره الشريف ، قال : فلما تلا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم هذه الآية قف لها شعر قريش.
وإنتهت هذه الملحمة في الآخذ والرد والتفنيد ، ويئس الكفار من جميع المناورات التكذيبية الباهتة وطار هباء تكذيبهم الواهن للقرآن ، وحجهم الله تعالى في كل ذلك إحتجاجاً بليغاً ، أخذوا يقترحون معجزة غيره ، وآية سواه : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) (٥) ، وكأن القرآن ليس آية ، فردهم الله رداً مفحماً ، وبين عظمة هذا القرآن : ( وَلَوْ أَنَّ
__________________
(١) الذاريات : ٥٢.
(٢) التكوير : ١٥ ـ ٢٦.
(٣) فصلت : ٢٦.
(٤) فصلت : ١٣.
(٥) الرعد : ٢٧.