وسار السلطان وقد اطمأن بعد ما كان خائفا فزعا ، فقدم بركة الحاج يوم السبت ثانى عشر المحرم سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ، وصعد القلعة فى موكب عظيم لم ير مثله ، ومشى على شقاق الحرير بفرسه وهو ضارب اللثام.
وفرح الناس به فرحا زائدا ، ودقّت البشائر وطبلخانات الأمراء ثلاثة أيام ، وعملت الأفراح.
وجلس فى يوم الاثنين ، وخلع على سائر الأمراء والمقدمين ، وأنعم إنعاما عظيما.
* * *
منسا موسى ملك التّكرور
أول من حج من ملوك التّكرور. ويقال إن أول من أسلم منهم ملك اسمه سرمندانه ، ويقال برمندانه.
ثم حج منساولى بن مارى بن جاظة فى أيام الملك الظاهر بيبرس ، ثم حجّ ساكبوره ، وكان قد تغلب على ملكهم ، وفتح بلاد كوكو ثم حج منسا موسى لما قدم إلى مصر سنة أربع وعشرين وسبعمائة بهدايا جليلة وذهب كثير ، فأرسل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون المهمندار لتلقيه ، وركب به إلى القلعة فى يوم الخدمة ، فامتنع أن يقبّل الأرض ، وقال للترجمان : «أنا مالكى المذهب ، ولا أسجد لغير الله» فأعفاه السلطان من ذلك ، وقرّبه وأكرمه ، وسأله عن سبب مجيئه ، فقال : «أردت الحج» ، فرسم للوزير أن يجهزه بكل ما يحتاج إليه.
ويقال إنه قدم معه أربعة عشر ألف جارية برسم خدمته خاصة فأقبل أصحابه على شراء الجوارى من الترك والحبوش والمغنيات والثياب ، فانحط سعر الذهب ستة دارهم.
وقدّم منسا موسى هديته ، وخرج مع الركب بعد ما أوصى به السلطان الأمير سيف الدين أيتمش ـ أمير الركب ـ فسار ركبا وحده فى ساقة الحاج حتى قضى حجه.
وتأخر بمكة بعد الموسم أياما وعاد ، فهلك كثير من أصحابه وجماله بالبرد حتى لم يصل معه إلا نحو الثلث منهم ، فاحتاج إلى قرض مال كثير من التجار ، واشترى عدة كتب من فقه المالكية ، وأنعم السلطان عليه بخيول وجمال. وسافر إلى بلاده بعد ما تصدق فى الحرمين بمال كثير. وكان إذا حدثه أصحابه فى أمر كشفوا رءوسهم عند مخاطبته عادة لهم.
* * *