وصار ابنه عماد الدين زنكى من الأمراء ببغداد ، ثم ولى الموصل سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ، وأخذ الرّها ، وقتل فى جعبر (١) فى ربيع الآخر فى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وهو على فراشه.
وولد نور الدين محمود فى سابع عشر شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، فقام بعد قتل أبيه وأخذ قلعة حلب ، وجدّ فى قتال الفرنج ـ وبيدهم حينئذ من الرّها إلى السوادة من حدود أرض مصر ، وافتتح عدة حصون ، وأظهر بحلب مذهب أهل السنة ـ وكان أهلها من الرافضة ـ وأبطل الأذان «بحى على خير العمل» وأنشأ بها المدارس على مذاهب الأئمة الأربعة.
ثم ملك دمشق بعد ما أشرف الفرنج على أخذها ، وضبط أمورها ، وأنشا بها المدارس والمساجد والبيمارستان ، وعمّرها ، وأبطل المكوس كلها ، ومنع المنكرات بأسرها وعاقب عليها ، واستنقذ من الفرنج عدة معاقل ، وبنى فى أكثر ممالكه دار العدل ، وأحضر بها القضاة والفقهاء وجلس فيها بنفسه لإزالة المظالم.
وبالغ فى الإحسان لأهل مكة والمدينة ، وبعث العساكر لحفظ المدينة النبوية ، وأقطع أمير مكة إقطاعا ، وأقطع أمراء العربان إقطاعات لحفظ الحاج فيما بين دمشق والحجاز ، وأكمل سور المدينة النبوية ، واستخرج لها العين ، فدعى له بالحرمين على منبريهما.
وبعث الأمير أسد الدين شيركوه (٢) بالغز إلى مصر ، واستنقذ القاهرة من الفرنج بعد ما حاصرها مرّى ـ لعنه الله ـ بعساكر الفرنج أياما ، ولم يبق إلا أن يملكها ، فلما استولى شيركوه على القاهرة دعا لنور الدين على منابر القاهرة ومصر.
ومات فى حادى عشر شوال سنة تسع وستين وخمسمائة بدمشق بعد ما حجّ فى سنة ست وخمسين وخمسمائة ، وأكثر من فعل الخير بالحرمين الشريفين ، وبالغ فى الإحسان إليهمرحمهالله تعالى.
* * *
__________________
(١) جعبر : قلعة على الفرات بين بالس والرقة قرب صفين. انظر : معجم البلدان (٣ / ١٤٢).
(٢) انظر : (مورد اللطافة ٢٣ ـ ٢٤ ، ابن خلكان ١ / ٢٢٧ ، ابن عساكر ٦ / ٣٠٨ ، ابن خلدون ٥ / ٢٨٢ ، ابن الأثير ١١ / ١٢٨ ، أعلام النبلاء ٤ / ٢٥٨ ، مفرج الكرب ١ / ١٤٨ ، الأعلام ٣ / ١٨٣).