تريد المبالغة مجازا لا تعميم السير في جميع الأبد ، وما سوى ما ذكر من جواب متى من أعلام الشهور غير المضاف إليها والأبد ونحوه ، وذلك نحو : اليوم والليلة ويوم كذا وليلة كذا ، وأسماء الأيام ، وأشباه ذلك يجوز فيه التعميم والتبعيض إن صلح له.
فالأول نحو : قام زيد اليوم ، والثاني : نحو : لقيت زيدا اليوم ، ويحتملهما نحو : سار زيد اليوم ، وكون ما يكون العمل في جميعه هو ظرف ، وانتصب انتصاب الظروف هو مذهب البصريين ، وزعم الكوفيون أنه ليس بظرف ، وأنه ينتصب انتصاب المشبه بالمفعول ؛ لأن الظرف عندهم ما انتصب على تقدير في ، وإذا عم الفعل الظرف لم يتقدر عندهم فيه (في) ؛ لأن (في) يقتضي عندهم التبعيض وإنما جعلوه مشبها بالمفعول لا مفعولا به ؛ لأنهم رأوه ينتصب بعد الأفعال اللازمة.
قال أبو حيان : وما ذهبوا إليه باطل ؛ لأنهم بنوه على أن (في) تقتضي التبعيض ، وإنما هي للوعاء قال تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) [فصلت : ١٦] ، فأدخل (في) على الأيام ، والفعل واقع في جميعها بدليل (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) [الحاقة : ٧] ، وقال : (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) [الحاقة : ٧] ، فأدخل (في) على ضمير الأيام والليالي مع أن الرؤية متصلة في جميعها ، وذهب بعض النحويين إلى أن ما كان من الظروف معطيا غير ما أعطى الفعل كالظروف المعدودة والمؤقتة فنصبها نصب المفعول على تقدير نيابتها عن المصدر ، ففي سرت يومين كأنه قال : سرت سيرا مقدرا بيومين ؛ لأنه لا دلالة للفعل عليه ، وقيل : هو بمنزلة ضربته سوطا ، أي : سير يومين فحذف ، والصحيح أنه يتعدى إليه بعد حذف الجار فينصبه ، والقولان المحكيان في آخر القولة راجعان إلى أصل الظرف لا إلى مسألة التعميم ، وهما مقابلان لقولي في أول الباب : «لواقع فيه ناصب له».
وبقي مسألة إضافة شهر إلى أسماء الشهور قال أبو حيان : ظاهر كلام «التسهيل» جواز إضافة (شهر) إلى كل أسماء الشهور ، وليس كذلك فلم تستعمل العرب من أسماء الشهور مضافا إليه شهر إلا رمضان وربيع الأول وربيع الآخر ، وأما غير هذه الثلاثة فلا يضاف إليه شهر ، لا يقال : شهر المحرم ولا شهر صفر ولا شهر جمادى ، قال : إلا أن في كلام سيبويه ما يخالف هذا فإنه أضاف (شهر) إلى ذي القعدة ، قال : وبهذا أخذ أكثر النحويين ، فأجازوا إضافة (شهر) إلى سائر أعلام الشهور ، ولم يخصوا ذلك بالثلاثة التي ذكرناها انتهى.