(٢٠) وهكذا ينحدر الذي يزعم أنّ الثروة هي أقصى كرامة عند الله إلى درك عبادة المال ، والانسياق مع مصادره ومن يملكه من المترفين.
(وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا)
أي حبّا كثيرا ، ومنه : جمّ الماء في الحوض إذا اجتمع وكثر ، وأنشدوا :
إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا |
|
وأيّ عبد لك ما ألمّا |
هذه هي ملامح المجتمع الذي يقدّس المال. إنّه لا يكرم اليتيم الذي يستدّر عطف كلّ بشر ، ولا يأبه بمسكين ، ويسترسل مع المال.
(٢١) إذا تجب مواجهة هذه القيمة الشاذّة التي تحسب الكرامة في الثروة ، والهوان في الفقر ، ولكن أنّى يستطيع الإنسان التسامي من أرض خلق منها وعجنت طينته بحبّها وحبّ شهواتها وزينتها! بلى. إذا آمن بالله ، وتطلّع إلى لقائه ، وعرف أنّ الحياة حقّا هي حياة الاخرة .. آنئذ تعزف نفسه عن الدنيا ، ويقدّم من جهده وماله لبناء مقرّه النهائي في الاخرة.
من أجل هذا يصوّر لنا السياق مدى الحسرة التي تشمل الناس الذين لم يعمروا حياتهم الاخرة ، وأذهبوا طيباتهم في الدنيا تلك اللحظات الزائلة التي سرعان ما تبخّرت ولم تخلّف لهم سوى الندم والحسرات في يوم الزلزال الكبير.
(كَلَّا)
ليست الدنيا نهاية المطاف ، وليست الثروة قيمة عند الله ، وليست تصوّراتهم عن أنفسهم صحيحة .. ومتى يتجلّى لهم ذلك؟ إنّما عند قيام الساعة.