(وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ)
من هو المسكين؟ إنّه بشر مثلي ومثلك أقعدته عوامل قاهرة عن اكتساب رزقه ، ألا ترحمه؟ تصوّر لو كنت ـ لا سمح الله ـ مثله كيف كنت تتوقّع من الناس؟ أليس من الممكن أن تصبح أنت أو واحدا ممّن تحبهم مسكينا ، فهل ترضى أن يطوي ليله جائعا ، ويعيش الناس من حوله التخمة؟ وهل يرضى بذلك إنسان ذو ضمير؟
إنّ أقلّ ما نقدّمه للمسكين الطعام .. إنّه حقّ البهائم والنباتات فكيف بمن هو نظير لنا في الخلق؟!
وقد ذكر الرب أنّهم لا يأمرون بعضهم بإطعام المسكين لبيان انتكاس المجتمع عن قيم الإنسانية ، فربما منع الواحد بخله عن إطعام المسكين ولكنّه مستعد لأمر غيره بذلك ، بل نرى البخيل عادة يتمنّى لو أنّ غيره تكفّل عنه بإطعام المحتاج ، أمّا إذا تردّى المجتمع إلى عدم حضّ بعضهم على إطعام المسكين فقد هبط إلى أسفل السافلين. وهذه هي نهاية اعتبار الغنى كرامة إلهية والفقر ذلّا وهوانا.
(١٩) والأسوء من ذلك أكلهم التراث ، والتهام أموال اليتامى جميعا ، حتى إذا كبروا لم يجدوا أمامهم إلّا الحرمان والحسرة.
(وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا)
قالوا : «لمّا» يعني جمعا ، ومنه قولهم : لمّ الله شعثه أي جمع ما تفرّق من أموره ، ولعل هذه الكلمة تشير إلى الإسراع في أكل التراث لئلّا يكبر أهله فيطالبون به ، كما قال سبحانه : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) (١).
__________________
(١) النساء / ٦.